بقلم: د. حمود صالحي
ليبيا تخطو خطوات صحيحة على مسار المصالحة السياسية والاستقرار الأمني. ففي افتتاحيتها الأسبوع الماضي كانت “نيويورك تايمز” متفائلة في تقييمها للوضع الليبي الحالي، مشيرة إلى أن “قلة من البلدان تجسّد مأساة الربيع العربي التي تعاني منه ليبيا”، وأنه “على الرغم من كل الصعاب، فإن الليبيين لديهم فرصة للخروج من هذه الأزمة”.
ومع ذلك، يحذر العديد من المحللين الذين استخلصوا أدلة من الماضي بأن المستقبل لا يبشّر بالخير وأن المخططات السياسية الحالية ستفشل لأنها مجرد ترتيب مؤقت ستستغله الأطراف الأجنبية لتعبئة حلفائها وقواتها العسكرية لتشعل نار الحرب من جديد. وبالفعل، هذا ما اعترفت به جريدة “نيويرك تايمز” أخيرا بأن “العملية السلمية بليبيا هشة”، وأنه “إذا كان هناك أيّ فرصة للسلام، فيجب إقناع القوى الأجنبية التي أغرقت ليبيا بالأسلحة والطائرات بدون طيار والمرتزقة أن تدع العملية السياسية تنطلق”. ذاك ما حصل الأسبوع الماضى حيث انطلقت العملية السياسية بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية المؤقة وبكسبها ثقة البرلمان بشقيه.
ولكن هناك أسباب أخرى تبشر بالتفاؤل لمستقبل الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا. أولا، لقد فشلت الدول المتحالفة مع القوى الليبية الداخلية في السيطرة على الوضع الأمني وبسط نفوذها الكامل على سيادة ليبيا، كما رأيناه في الحربين الأخيرتين. فالإدعاء بأن الدول الأجنبية ودعاة الحل العسكري وكل هذه القوى ساندوا الحل السياسي لكسب الوقت يخفي حقيقة وصولها إلى طريق مسدود يستحيل لها الخروج منه والعودة إلى الحرب مرة أخرى. لذلك يبدو أن من مصلحتها أن توقف كل إمداداتها العسكرية لحلفائها وتنضمّ إلى الحوار الليبي في محاولة منها لفرض حل سياسي يخدم مصالحها الوطنية والأمنية داخل التراب الليبى.
ثانيًا ، يبدو أن هذه الحقيقة جذبت انتباه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واهتمام الدول المعنية بالشأن الليبي. وقد أكد مجلس الأمن في بيانه الأخير على وقف إطلاق النار وأهمية توحيد المِؤسسات الليبية. كما حث البيان على “سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون مزيدا من التأخير”. وفي الأخير، حضّ المجلس على “الامتثال التام من جانب جميع الدول الأعضاء لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة تماشيا مع قرارات مجلس الأمن من ذات الصلة”. وبالمثل، دعّمت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وتركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا مبادرة السلام السياسي، ووصفت هذا الإنجاز بأنه مبادرة عظيمة.
ثالثًا، من المتوقع أن تقوم الإدارة الأمريكية الحالية بدور بنّاء لتحقيق الاستقرار في ليبيا. وهذا حسب ما جاء على ألسنة الرئيس جو بايدن ووزيري الخارجية والدفاع. وقد يكون ذلك مرتبطا باستنتاج أمريكا بأن الاستمرار في الحرب لا يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية بالمنطقة. فقد أعرب الرئيس السابق باراك أوباما، الذي صنع غزو ليبيا، عن ندمه لعدم إدراج خطة لإحلال السلام في البلاد بعد الغزو. وأشار روبرت جيتس، الذي شغل منصب وزير الدفاع في عهد إدارة أوباما، في كتابه “ممارسة السلطة”، إلى أن نائب الرئيس السابق جو بايدن كان من بين المعارضين للغزو ولم يدعمه إلا بعد أن أصبح واضحًا أن الرئيس السابق أوباما كان سيمضي قدمًا في الغزو. وفي هذا المجال ترى “نيويورك تايمز” أن “الرئيس بايدن الآن في وضع يسمح له بتصحيح هذا الخطأ من خلال تقديم دعم إدارته الكامل والفعّال للأمم المتحدة، خاصة وأن المبعوث الخاص للأمم المتحدة الذي يُنسب إليه الفضل في هندسة عملية السلام هي الدبلوماسية الأمريكية المخضرمة ستيفاني توركو وليامز “.
من الواضح أن الطريق إلى الأمام لا يزال صعبًا لتجاوز تحديات الأمن والاستقرار في ليبيا. لكن البديل أسوأ وظروف ليبيا تتطلب إجراءات فورية. وللمضي قدمًا، يجب على القوات الخاصة للأمم المتحدة أن تفي بمسؤولياتها وأن تلعب دورًا مهمًا في الوساطة للتوصل إلى حل سلمى يخدم الشعب الليبي. يتعين على الولايات المتحدة أيضًا استخدام قوتها وممارسة نفوذها في المنطقة لما يخدم مصلحة ليبيا. يدين المجتمع الدولي للشعب الليبي بجرعة من الأمل لإيصال السلام والاستقرار في بلدهم.
كتب روبرت جيتس في كتابه السابق الذكر معلقا على المسألة الليبية يقول إن “هناك عددًا من الطرق غير العسكرية التي ربما تمكنا من خلالها نحن وحلفاؤنا من وقف القتال والمساعدة في استقرار ليبيا في صيف وخريف عام 2011. لكن لم تكن هناك خطة ولا التمويل ولا الرغبة”. وأضاف بأن “أقسى حكم على سياسة الولايات المتحدة بليبيا كان من أوباما نفسه. والذي كان قد قال في مارس 2011 إنه سيكون من الخطأ استخدام الجيش لإزاحة القذافي، لكن هذا ما حدث، وسيصف أوباما الفشل في التخطيط لليبيا ما بعد القذافي بأنه أسوأ خطأ ارتكبه خلال رئاسته”. ربما، بعد عقد من الزمن، يمكن للمجتمع الدولي والولايات المتحدة تصحيح ذلك. لكن هل سيفعلون؟
بقلم: د. حمود صالحي، لوس أنجلس، كاليفورنا
