رسالة عمان: أ.د وليد عبد الحي
مقدمة:
تولي أدبيات المنهج الكلاني Holistic في العلاقات الدولية المعاصرة اهتماماً بثلاثة أبعاد تتداخل وتؤسس “لمفهوم الأمن” وكل الاستراتيجيات المبنية عليه وهي:[1]
1. أمن المجتمع: ويعني تأمين القدرة على ” التطور الحر للأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتقنية في بيئة داخلية سلمية”، وهو ما يقتضي استمرار التماسك الاجتماعي وعدم التشقق في جدران المجتمع على أسس دينية أو عرقية أو مذهبية أو طائفية أو طبقية أو جهوية أو بسبب اللون أو الجنس…إلخ.
2. أمن الدولة: ويعني الحفاظ على “جغرافية الكيان السياسي السياسية والطبيعية، ومنع الآخرين من السيطرة على موارده الطبيعية” أو التأثير السلبي عليها (مثل منابع الأنهار التي تأتي من خارج الكيان، أو امتدادات حقول النفط أو الغاز في أكثر من كيان…إلخ.
3. أمن النظام السياسي: ويعني “بقاء الفريق الحاكم في كرسي السلطة”، بغض النظر عن وسائل تحقيق هذا البقاء قسراً أو طواعية.
وعليه يمكن تقسيم النظم السياسية في العالم لستة أنماط طبقاً لترتيب وأولوية هذه الأبعاد الثلاثة في منظومة القيم السياسية لتلك الكيانات السياسية على النحو التالي:[2]
1. نظم أولوية أمن المجتمع يليها أمن الدولة ثم أمن النظام (مثل دول الرفاه Welfare state).
2. نظم أولوية أمن المجتمع – أمن النظام – أمن الدولة (مثل الدول الرأسمالية).
3. نظم أولوية أمن الدولة – أمن المجتمع – أمن النظام (”إسرائيل“).
4. نظم أولوية أمن الدولة – أمن النظام – أمن المجتمع (تايوان).
5. نظم أولوية أمن النظام – أمن المجتمع – أمن الدولة (الدول الاشتراكية).
6. نظم أولوية أمن النظام – أمن الدولة – أمن المجتمع (أغلب دول العالم النامي وخصوصاً الدول العربية).
ويقيناً إن هذه الأبعاد متفاعلة ومترابطة فيما بينها، وقد تتغير أولويات الدول من مرحلة لأخرى لأسباب داخلية أو خارجية، لكن ذلك لا ينفي أن لكل دولة منظومتها القيمية السياسية في ترتيب أولويات هذه الأبعاد، وهو ما يميز بين الدول، ولن نتناول كافة هذه الأنماط، بل سنركز على النمط الأخير الذي تندرج فيه كل النظم العربية تقريباً ولو بمستويات متباينة، مع التركيز على المتغير الذي نراه الأكثر أهمية في بنية وسياسات الدول العربية بصفتها من دول “أولوية أمن النظام”، إلى جانب مؤشرات اخرى تعزز فهم وتفسير السلوك السياسي للدول العربية، وذلك على النحو التالي:
أولاً: العسكرة Militarization:
يمكن تعريف العسكرة بأنها “الوزن النسبي للمؤسسة العسكرية في التفاعلات الداخلية والخارجية للكيان السياسي الذي تنتمي له”، وتتباين مناهج قياس هذا الوزن في الدراسات السياسية، لكن أغلبها يحدد الأمر من خلال مؤشرات مركزية ثلاثة، ويتم قياسها من خلال ستة مؤشرات فرعية يتم بها قياس الوزن النسبي للمؤسسة العسكرية في علاقتها بمجتمعها، وتتمثل هذه المؤشرات في الجدول التالي:[3]
جدول رقم 1: المؤشرات المركزية والفرعية لظاهرة العسكرة
* تمّ وضع هذه الأوزان على أساس إحصائي هو التنسيب الأحادي Normalization.[4]
وعند النظر في قيم مؤشر العسكرة للدول العربية (في كافة المؤشرات المركزية والفرعية)، تبين لنا النتائج التالية:[5]
جدول رقم 2: مؤشر العسكرة العربية مقارنة بـ”إسرائيل” بين 2000 و2019/2020 (القياس من 500)
2. في سنة 2000 كان من بين أعلى عشرة دول في العالم في مؤشر العسكرة 7 دول عربية، منها خمس دول خليجية عربية الى جانب سورية والأردن، وهو ما يعني أن 70% من الدول الأعلى عسكرة هي دول عربية.
3. في عام 2019/2020 أي بعد عشرين عاماً بقي عدد الدول العربية بين العشر الأوائل كما هو (7 من 10)، وهي الدول نفسها التي احتلت هذه المراكز في الفترة الأولى.