بــقـلـم : جــمــال بــن عــلـي
في قلب المشهد الأمريكي المتغيّر، يبرز اللاتينيون أو “الهيسبانك” كقوة صاعدة، تتجاوز أدوارهم التقليدية كعمال في الظل لتصبح صوتًا سياسيًا وثقافيًا مؤثرًا في مستقبل الولايات المتحدة. من الحقول والمطاعم وورش البناء، إلى الكونغرس والبلديات والجامعات، انتقل هذا المكوّن السكاني من الهامش إلى دائرة الضوء، ليُرسم بذلك سؤال مركزي: هل أصبح اللاتينيون الأغلبية المستقبلية في بلد طالما صيغ بلغته الأنجلوساكسونية البيضاء؟
أولًا: أرقام تهمّنا.. وسؤال الهوية
بحسب إحصاءات مكتب التعداد الأمريكي لعام 2024، تجاوز عدد اللاتينيين في الولايات المتحدة 65 مليون نسمة، ما يشكّل حوالي 19% من السكان. لكن الأهم من الأرقام هو الديناميكية:
هم الشريحة الأسرع نموًا، خاصة بين الشباب والناخبين الجدد.
وبحلول عام 2050، يُتوقع أن يتجاوز عددهم 100 مليون.
غير أن هذه القوة العددية لم تُترجم فورًا إلى نفوذ سياسي أو مؤسسي. لعقود، ظلّ اللاتينيون يُعاملون ككتلة صامتة داخل آلة إنتاج ضخمة، دون حضور حقيقي في صياغة القرار العام.
ثانيًا: من التهميش إلى التمثيل
شهد العقد الأخير تحولات نوعية، أبرزها:
تمثيل سياسي متصاعد: دخول أسماء لاتينية إلى الكونغرس مثل ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز، وارتفاع عدد المنتخبين المحليين من أصول مكسيكية، كوبية أو بورتوريكية.
قوة انتخابية حاسمة: لعب اللاتينيون دورًا كبيرًا في ترجيح كفة بايدن في ولايات مثل أريزونا ونيفادا وجورجيا عام 2020.
صعود إعلامي وثقافي: إنتاج سينمائي، موسيقي وأدبي يعكس الهوية اللاتينية، وصحافة ناطقة بالإسبانية تصل إلى عشرات الملايين.
ولعلّ اللحظة المفصلية كانت في مواجهة سياسات ترامب المعادية للمهاجرين، حيث تحوّلت الجاليات اللاتينية إلى “ضمير الاحتجاج الأمريكي”.
ثالثًا: المعركة القادمة.. بين الدمج والاستغلال
رغم هذه المكاسب، لا يزال اللاتينيون يواجهون تحديات هيكلية:
نسب فقر مرتفعة.
تمييز في سوق العمل والسكن.
خطاب إعلامي يربطهم بالجريمة أو الهجرة غير الشرعية.
كما تُطرح مخاوف من أن تتحوّل هذه الكتلة إلى مجرد خزان انتخابي تُستَغل في المواسم الانتخابية وتُنسى بعدها. وهنا يُطرح السؤال الأهم: هل يستطيع اللاتينيون بناء مشروع سياسي – ثقافي ذاتي، بعيدًا عن الاستقطاب الحزبي