العالم وقانون الغاب: حين يُشرعن الأقوياء الفوضى

بقلم: جمال بن علي

في عالم يُفترض أنه محكوم بالقانون الدولي، ومواثيق الأمم المتحدة، ومبادئ العدالة والإنصاف، يطفو على السطح واقع مغاير تمامًا: واقع تحكمه شريعة الغاب، حيث لا صوت يعلو فوق صوت القوة، ولا قيمة تُمنح للضعيف إلا بقدر ما يخدم مصالح الأقوياء.

تُظهر الأحداث المتسارعة على الساحة الدولية ـ من الحروب بالوكالة إلى التدخلات العسكرية، ومن العقوبات الاقتصادية إلى ازدواجية المعايير في ملفات حقوق الإنسان ـ أن النظام العالمي لا يزال رهينة لميزان القوة، وليس ميزان العدالة. وما يسمى بـ”الشرعية الدولية” لم تعد سوى غطاء يُستعمل عند الحاجة لتبرير ما لا يُبرر، أو لتمرير أجندات الدول الكبرى تحت عباءة القانون.

من “مجلس الأمن” إلى “مجلس الخوف”

أصبح مجلس الأمن، الذي أُنشئ للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، أداة بيد الدول الخمس الدائمة العضوية. “الفيتو” لم يعد وسيلة لتعطيل الظلم، بل غطاء لحماية الحلفاء وفرض الأمر الواقع. فهل يعقل أن تُشل إرادة المجتمع الدولي بسبب قرار دولة واحدة؟ أين هي العدالة حين تُباد شعوب بأكملها، ولا تُفتح ملفاتها لأن القاتل “حليف استراتيجي”؟

الإنسانية حسب الجغرافيا

تُقاس الكارثة الإنسانية اليوم بجنسية الضحية، لا بحجم المأساة. حين تقع الأزمة في أوروبا، يتحرك العالم بسرعة البرق، وتُفتح الحدود، وتُسخّر الموارد. أما حين تحترق شعوب بأكملها في الجنوب العالمي، فلا نجد سوى بيانات التنديد، وأكوام من الصمت المريب. إنه قانون الغاب حين يُوزّع الألم على أساس المصالح، لا على أساس الإنسانية.
الحرب الإعلامية والشرعية المختطفة

لم تعد الحرب تقام على الأرض فقط، بل في الفضاء الإعلامي أيضًا. فالسيطرة على الرواية أصبحت جزءًا من استراتيجية الهيمنة. تُصنع الحقيقة في استوديوهات الأخبار، وتُشوه الضحية، ويُلمّع الجلاد. وفي هذا المشهد، تسقط منظومة الأخلاق، ويُستبدل ميزان العدالة بميزان التضليل.

نحو صحوة ضمير عالمي

ليس من المثالية أن نحلم بعالم تحكمه القوانين بدل المدافع، وتحسمه المبادئ بدل المصالح. لكنه الحلم الوحيد القادر على إنقاذ البشرية من دوامة الفوضى والانهيار. فالقوة التي لا تُقيدها قيم، تتحول إلى وحش. والعالم الذي لا يحتكم إلى ضمير جماعي، يُعيد إنتاج البربرية في ثوب حديث.

Exit mobile version