حين تتحوّل الفضائح إلى لغة سلطة في واشنطن

بقلم: جمال بن علي

منذ أكثر من نصف قرن، تتقاطع السياسة الأمريكية مع ما يُعرف اصطلاحًا بـ«الفضائح الوردية»، ليس بوصفها مجرد أخطاء شخصية، بل كظاهرة عميقة تعكس طبيعة النظام، وعلاقة السلطة بالإعلام، ومدى قدرة الدولة على امتصاص الصدمات. من كينيدي ومارلين مونرو، إلى كلينتون ومونيكا لوينسكي، وصولًا إلى ترامب وقضية إبستين، تتبدّل الأسماء وتتكرّر الدروس: هل يُحكم على القوة بالأخلاق أم بالنتائج؟

السياسة الأمريكية بين الأخلاق والنتائج: تاريخ الفضائح الوردية

في الستينيات، كان جون ف. كينيدي رمزًا للكاريزما الأمريكية الحديثة. رغم الشائعات عن حياته الخاصة، ظل الإعلام صامتًا، ليس عن جهل، بل عن وعي ضمني بأن حماية صورة الرئاسة جزء من استقرار الدولة. آنذاك، كانت هيبة النظام تفوق الفضول الشعبي، والسياسة أعلى من فضول الصحافة.

من كينيدي إلى ترامب: الفضائح كاختبار لقوة النظام

مع نهاية القرن العشرين، انفجرت قضية كلينتون ولوينسكي، فصارت أزمة سياسية ودستورية. الإعلام لم يعد شاهدًا صامتًا، بل صار طرفًا فعالًا، والرأي العام أصبح قاضيًا دائمًا. ومع ذلك، نجح كلينتون في الحفاظ على شعبيته، مؤكدًا قاعدة مهمة في الثقافة السياسية الأمريكية: الناخب قد يتسامح مع الأخلاق، لكنه لا يغفر الفشل الاستراتيجي أو الاقتصادي.

السلطة والإعلام والفضيحة: الوجه الخفي للسياسة الأمريكية

مع ترامب، تحوّلت الفضائح إلى أداة. لم تعد مجرد خروقات شخصية، بل سلاح سياسي لاستهداف النخبة و«الدولة العميقة». قضايا مثل شبكة إبستين كشفت مناطق مظلمة داخل السلطة، حيث تتقاطع السياسة بالمال والعلاقات والحماية المتبادلة. الفضيحة هنا لم تعد تهديدًا، بل أصبحت جزءًا من آلية التفاوض على السلطة نفسها.

واشنطن بلا أقنعة: كيف تتعايش القوة مع الفضائح

اللافت أن تكرار الفضائح لا يضعف النظام، بل يظهر قوته. السياسة في واشنطن شخصية للغاية، الإعلام بلا حدود حقيقية، والمجتمع يستهلك سقوط القادة بقدر افتتانه بصعودهم. الدولة، بدورها، تظهر قدرة استثنائية على امتصاص الأزمات وتحويلها إلى حلقات عابرة في مسلسل طويل من السلطة والهيمنة. في التجربة الأمريكية، لا تُقاس القوة بنقاء السلوك، بل بقدرتها على الصمود، والفضائح هنا ليست مجرد أخبار جانبية، بل لغة موازية من لغات الحكم تُدار بها المعارك وتُصاغ بها الأساطير.

Exit mobile version