بقلم جمال بن علي
في مباراة كأس إفريقيا2026 بين المنتخب الوطني الجزائري ونظيره السوداني، خطفت صورة واحدة الأضواء وتجاوزت حدود الرياضة إلى مجال الرمزية والدبلوماسية الناعمة. زين الدين زيدان، أحد أكثر الشخصيات الرياضية تأثيرًا واحترامًا في العالم، جالس في المدرجات، يساند المنتخب الجزائري، ويتابع ابنه لوكا زيدان، حارس مرمى الخضر.
لم يكن المشهد عاطفيًا فقط، بل كان مشهدًا سياسي الدلالة، ثقافي الرسالة، وإنساني العمق.
وجود لوكا زيدان في صفوف المنتخب الجزائري لا يُقرأ فقط في إطار تعزيز التشكيلة بحارس مرمى، بل في إطار أوسع: الجزائر التي تستعيد أبناءها بثقة، وتقدّم نموذجًا لهوية مفتوحة وواعية، لا تُقصي ولا تُساوم. اختيار لوكا تمثيل الجزائر هو فعل انتماء حر ورسالة إيجابية لشباب الجالية الجزائرية
جلوس زيدان في المدرجات، بعيدًا عن الأضواء الرسمية، دون تصريحات أو استعراض، حوّل اللقطة إلى حدث عالمي. الصورة التي شاهدها العالم كانت صامتة لكنها بليغة: أسطورة كرة القدم العالمية في صف المشجعين الجزائريين، يتقاسم معهم القلق والفرح والترقب.
هنا تتجسد القوة الناعمة الجزائرية في أنقى صورها: تأثير بلا خطاب، ورسالة بلا بيان، لأننا اليوم نعيش
في عالم تتراجع فيه فاعلية الخطاب السياسي التقليدي،و أصبحت الصورة والرمز والرياضة أدوات تأثير حقيقية. حضور زيدان في هذا السياق منح الجزائر لحظة نادرة من الإجماع الإيجابي في الإعلام الدولي، وكرّس صورة بلد قادر على إنتاج رموزه واستعادة رصيده .
انتهت المباراة، لكن الصورة بقيت. ستُستعاد في الأرشيف، وتُحلّل في الإعلام، وتُتداول في الذاكرة الجماعية. إنها صورة تقول إن الجزائر حين تحسن استثمار رموزها، لا تحتاج إلى تبرير نفسها. زيدان لم يتكلم، لكنه مثّل. ولوكا لم يصرّح، لكنه اختار.
تلك هي الدبلوماسية الناعمة… حين تقول الصورة ما تعجز عنه الكلمات.
