الصومال بين وحدة الدولة واختبار المواقف العربية

بقلم: جمال بن علي

لم يكن البيان الصادر عن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في عمّان مجرّد موقف دبلوماسي تقليدي، بل جاء كوثيقة سياسية تعكس إجماعًا عربيًا مهمًا حول قضية تمسّ جوهر النظام الدولي، وهي وحدة الدول وسيادتها ورفض منطق التقسيم القسري. غير أن هذا الإجماع، على أهميته، كشف في الوقت ذاته عن تباينات عربية عميقة، تجلّت في امتناع المغرب والبحرين والإمارات و هي الدول المطبعة مع الكيان المجرم. بيان جاء ليؤكد الانخراط في موقف التنديد الجماعي ضد اعتراف الكيان الإسرائيلي بما يسمى “انفصال أرض الصومال” عن جمهورية الصومال الفيدرالية.

دلالة البيان العربي وعودة إلى الثوابت
البيان المشترك الذي وقّعت عليه دول عربية وإسلامية وازنة، إلى جانب منظمة التعاون الإسلامي، لم يكتفِ برفض خطوة الكيان الإسرائيلي، بل وضعها في سياقها القانوني والسياسي الصحيح، باعتبارها خرقًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتهديدًا مباشرًا للسلم والأمن في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وسابقة خطيرة في شرعنة تفكيك الدول ذات السيادة.
كما أكد البيان دعم وحدة الصومال وسيادته الكاملة، ورفض أي اعتراف بكيانات انفصالية، وربط هذه الخطوة بمسار أوسع يستهدف إعادة هندسة الجغرافيا السياسية الهشة في إفريقيا والعالم العربي.

الامتناع كخيار سياسي بأمر من الكيان المجرم لا كحياد
امتناع المغرب والبحرين والإمارات لا يمكن قراءته بوصفه موقفًا تقنيًا أو حيادًا دبلوماسيًا، بل هو في ذاته خيار سياسي خائن للأمة العربية و الإسلامية و محسوب، لصالح قتلة الأطفال و النساء المحتل الغاشم لأرض فلسطين خاصة في ظل العلاقات المتقدمة والمعلنة التي تجمع هذه الدول بالكيان الإسرائيلي، والتحولات التي فرضتها اتفاقات التطبيع على أنماط التصويت العربي، وتراجع مفهوم الإجماع العربي أمام حسابات المصالح الثنائية.
هذا الامتناع يثير تساؤلًا جوهريًا حول ما إذا باتت الالتزامات الجديدة مع الكيان أقوى من الالتزام التاريخي بمبادئ الأمة العربية و الإسلامية.

، فإن الصمت أو الامتناع عن إدانة انفصال الصومال ، يضعف الموقف العربي الجماعي في مواجهة أي مشاريع تقسيم مستقبلية، ويمنح الكيان الإسرائيلي هامش مناورة أوسع لتكريس نفوذه في القرن فإن
اعتراف الكيان بما يسمى “أرض الصومال” لا ينفصل عن استراتيجية أوسع تقوم على اختراق مناطق الهشاشة الجيوسياسية، وتطويق العمق العربي من الأطراف الإفريقية، وتهديد أمن البحر الأحمر وباب المندب، وخلق كيانات وظيفية تدور في فلكه سياسيًا وأمنيًا.
ومن هذا المنطلق، لا تُعدّ الصومال قضية معزولة، بل حلقة ضمن سلسلة تبدأ من القرن الإفريقي وقد تمتد إلى مناطق أخرى تعاني هشاشة سياسية أو نزاعات داخلية.

و يكشف هذا التباين عن تحوّل مقلق في العمل العربي المشترك، من مبدأ موحّد إلى مواقف انتقائية، ومن سياسة جماعية إلى حسابات فردية قصيرة المدى، ومن دبلوماسية سيادية إلى براغماتية صامتة عميلة بل و خائنة. وهو ما يضع الجامعة العربية أمام اختبار جديد يتعلق بقدرتها على الحفاظ على حدّ أدنى من التماسك في القضايا المصيرية.

قضية الصومال، في جوهرها، ليست مجرد شأن إفريقي بعيد جغرافيًا، بل مرآة تعكس حالة النظام العربي الراهن، بين من لا يزال متمسكًا بثوابت السيادة ووحدة الدول، ومن بات يرى في الصمت أو الامتناع أقل كلفة من المواجهة السياسية. غير أن التاريخ الدبلوماسي يؤكد أن التغاضي عن تفكيك دولة اليوم قد يتحوّل إلى تهديد لكيان دولة أخرى غدًا، في حال أصبح الانفصال سياسة مقبولة بالصمت.

Exit mobile version