موريس أودان، بطل الثورة الجزائرية يدخل مقبرة “الخالدين” في باريس
في الوقت الذي كان فيه الطلبة الجزائريون يتظاهرون في ساحة “الشهيد موريس أودان” بقلب العاصمة الجزائرية الثلاثاء 11-06-2019، كانت بلدية باريس تشرف على تكريم هذا المناضل الجزائري من أصول فرنسية وزوجته الراحلة بمقبرة “بير لاشيز” الشهيرة وسط العاصمة الفرنسية، حيث نُثر رماد جثمان جوزيت في “حديقة الذكريات”، ثم دشن نصب رخامي على شكل خارطة الجزائر نقش أعلاه اسم العضو في الشيوعي الجزائري (1932-1957) الذي تحول إلى رمز في التضحية والالتزام بقضايا التحرر.
في تمام الساعة الرابعة والربع مساء وفي جو مهيب اختلطت فيه المشاعر، انطلق موكب كبير من الشخصيات السياسية والتاريخية والثقافية وغيرهم من بوابة مقبرة “بير لاشيز” بالدائرة الباريسية العشرين، يتقدمهم أعضاء المجلس المحلي لبلدية باريس، والنائب في حزب الجمهورية إلى الأمام الحاكم وعالم الرياضيات سيدريك فيلاني، وزميله في البرلمان عن الحزب الشيوعي سيباسيان جومال اللذان لعبا دورا كبيرا في إقناع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالخطوة التاريخية التي اتخذها في سبتمبر أيلول 2018، عندما أقر رسميا بمسؤولية الدولة الفرنسية في مقتل أودان بعد اعتقال هذا الأخير من طرف المظليين الفرنسيين من منزله في 11-06-1957، واقتياده إلى مركز التعذيب بفيلا بحي الأبيار أعالي الجزائر العاصمة، كما أكد الرئيس ماكرون مواجهة الآلاف من الجزائريين نفس المصير خلال ما يعرف بمعركة الجزائر.
وحضر هذه المناسبة في مقبرة “بير لاشيز” أيضا أعضاء جمعية موريس أودان وابناه بيار وميشال، ونائب الرابطة الفرنسية للدفاع عن حقوق الإنسان جيل مونسيرون، وفابريس ريسوبيتي مؤسس موقع البحث عن مفقودي معركة الجزائر، ومدير جريدة “ميديا بارت” إيدوي بلنال، والرسام الجزائري مصطفى بوطاجين، وعدة نقابيين وممثلي المجتمع المدني وإعلاميين و فنانين و ناشطين ضد العنصرية والاستعمار، إضافة إلى عدد كبير من أفراد الجالية الجزائرية، بينما اقتصر الحضور الرسمي الجزائري على ممثل عن السفارة الجزائرية في باريس.
توقف الموكب عند “حديقة الذكريات” حيث أشرف بيار وأخته ميشال على نثر رماد جثمان والدتهما التي رحلت في فبراير شباط 2019، بعدما ناضلت لستة عقود كاملة من أجل تكذيب الرواية الفرنسية الرسمية حول هروب زوجها من معتقله، وأجبرت الدولة الفرنسية على الاعتراف بقضية زوجها وحقيقة نهايته المأساوية.
أكمل الموكب اتجاهه نحو حائط “ضحايا كمونة باريس 1871″. وفي هذا المكان الذي يحمل رمزية كبيرة أقيم القبر الافتراضي للفقيد، ونقشت على واجهته خريطة الجزائر، البلاد التي مات في سبيل استقلالها عن فرنسا، وجاء في النص المنقوش داخل الخريطة ما يلي: ” ذكرى موريس أودان وغيره من ضحايا هذا القمع الوحشي لا تستطيع إلا تقوية عزيمة كل النساء والرجال الذين يناضلون من أجل معاقبة من تسببوا في ارتكاب جرائم الدولة والتوقيف التعسفي والتعذيب والاختطاف القصري في العالم كله “.
وقرب صورة كبيرة للفقيد بعينيه الواسعتين وهو ينظر نحو الأعلى مبتسما، تداول على المنصة كل من ماري كريستين لماردالي ممثلة رئيسة بلدية آن هيدالغو، وبيار أودان، ورئيس جمعية موريس أودان بيار مونسا، فتحدثوا عن أهمية إحياء الذكرى الـ62 لرحيل هذه الشخصية الثورية وتكريم رفيقته في الحياة والنضال والموت، كما تمت قراءة رسالة عضو الحزب الشيوعي الجزائري الصادق هجرس الذي حالت ظروفه الصحية دون حضوره، وقدم في رسالته شهادة عن نضال رفيقه أثنى فيها على شجاعته. كما استعرض المتحدثون مسار لجنة التحقيق في “قضية أودان” التي تشكلت بعد اختفائه بأسابيع وضمت المناضل والكاتب هنري علاق آخر شخص شاهد موريس في مركز التعذيب، ومحامين وسياسيين ومناضلين ومؤرخين ونوابا. وتواصل اللجنة عملها إلى يومنا هذا. وأجمع المتحدثون على أهمية اعتراف فرنسا بما اقترفته خلال الفترة التي احتلت فيها الجزائر من عام 1830 إلى عام 1962 ولغيرها من باقي المستعمرات، ودعوا إلى الانتصار للحقيقة.
وعلى وقع الزغاريد ونشيد “من جبالنا” تم رفع الستار عن النصب التذكاري المحاط بالأعلام الجزائرية، وتغطيته بالورود الحمراء.
ويحضر اسم موريس أودان بقوة في الحراك السلمي الذي تعيشه الجزائر منذ 22 فبراير شباط 2019، حيث تحولت الساحة التي تحمل اسمه إلى مركز لتجمع المتظاهرين خاصة طلبة الجامعة المركزية حيث كان موريس يُدَرِّس مادة الرياضيات. ومن أبلغ الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي هي تلك التي تظهر الطلبة وهم يلصقون شعارات تطالب بالحرية والديمقراطية على اللوحة التذكارية المخلدة لموريس أودان في قلب مدينة الجزائر.
وتأمل جمعية “موريس أودان” في أن تتعاون سلطات البلدين مستقبلا من أجل البحث عن جثمانه المدفون في مكان ما بضواحي الجزائر العاصمة حسب شهادة قدمها مؤخرا جندي سابق في جيش الاستعمار الفرنسي، علما أن السلطات الجزائرية لم تسع أبدا طيلة ستة عقود إلى البحث عن جثمانه رغم كونه واحدا من أبرز أبطال الثورة التحريرية (1954-1962).