ما يجب أن يقال: فورد والدبلوماسية الشعبوية ؟!
عاد السفير الأمريكي السابق بالجزائر المثير للجدل “روبرت فورد” إلى الظهور والحديث عن الجزائر عبر صحيفة الشرق الأوسط، وهذا ما جعل عدد من المراقبين يعتبر أن هذه العودة إلى التعليق على السياسة الجزائرية والعربية هي محاولة يتخذ منها “فورد” مدخلا إلى ما هو أبعد وأوسع ، أي من الباب العربي والجزائري إلى الباب الدبلوماسي الرسمي مرة أخرى.
روبرت فورد عرفته من خلال حواراتي التلفزيونية في برنامج “لقاء الأسبوع” الذي كنت أعده وأقدمه في التلفزيون الرسمي الجزائري وحاورته 07 مرات خلال عامين وكنت في كل مرة أكتشف دبلوماسي مراوغ متحدث جيد كأنه خلق للعالم العربي! كان يتحدث ببساطة ويعطيك الانطباع أنك تتحدث مع زميل مختص في الشأن الأمريكي لا أكثر، يتحدث في كل شيء ويتهرب من الأسئلة المحرجة والمفخخة بابتسامة عريضة ومراوغة دبلوماسية عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية، لكنه كان صريحا إلى أبعد الحدود عندما يتعلق الأمر بالشأن العربي أو الجزائري ،لكنه للأسف كان يستعمل الشعبوية في ممارسة الدبلوماسية.
كان يتحرك كثيرا ويزور الأحياء الشعبية ويدقق في العادات والتقاليد لكل بلد يعمل فيه، عيبه الوحيد أنه كان لا يفرق بين الجغرافيا والتاريخ وكان يظن أن إستراتيجيته في سوريا هي نفسها وبإمكانها أن تنجح في العراق ومصر والجزائر ولم يكن يفرق بين التركيبة الاجتماعية لكل دولة.
درس العرب كمنظومة شعبية موحدة لغويا ودينيا ولم يدرس العرب كأنظمة سياسية متفرقة وشعوب مختلفة العادات والثقافات وهذا عيبه في التعاطي مع الشؤون العربية لأنه يظن أن المواطن العراقي يفكر مثل المواطن السوري! والمصري يفكر مثل الجزائري! لذلك فشل دبلوماسيا في سوريا والجزائر.
وفي العراق، خاصة لم نشاهد اللمسة الدبلوماسية لـ”روبرت فورد” أمام الآلة العسكرية لـ”كولن باول” أو “وارن كريستوفر” أو الإستراتيجية الأمنية لـ”كوندوليزا رايس”.
روبرت فورد يصلح لإدارة العلاقات العامة لا أكثر، فهو عندما يتحدث عن الجزائر نتأكد من الجملة الأولى أن الرجل يقرأ ما تكتبه الجرائد ومتأثر بالمقالات الصحفية، فلا جديد في كلامه، لا تحليل ولا استشراف ولا بعد نظر، إنما كلام جرائد بعيد كل البعد عن التحليل الدبلوماسي أو الدراية الجيوسياسية بالشؤون الداخلية للدول، ولذلك المتمعن لكلام “روبرت فورد” يتخيل له أنه يطالع مقالة في جريدة من جرائد الـ1000 نسخة.
في علم الدبلوماسية، الدبلوماسي الحقيقي هو من يؤثر في الأحداث ويتوقعها وليس من تصنعه الأحداث ويتفاجأ بها، رغم هذا أطيب التحيات من بلد اسمه الجزائر وما أدراك ما الجزائر.