لن ينقذ المجمع الانتخابي ترامب لأن حظ بايدن أقوى بالفوز كرئيس
رسالة أمريكا
د. حمود صالحى
الانتخابات الأمريكية تبرز ظاهرة عدم المساواة بين الناخبين بارتكازها على نظام نخبوي يرى المواطن أنه غير قادر لاختيار قيادته بطريقة مباشرة، لذلك أعطيت تلك المسؤولية لأعضاء رسميين فى كل ولاية معينين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ليشكلون بذلك المجمع الانتخابى والذى يبلغ عدده 538 عضوا.
وهنا تبرز ضعف وهشاشة الديمقراطية الأمريكية. شكليا، تبدو الانتخابات الأمريكية نزيهة وشفافة في مجرياتها. ضمنيا، أثبتت تجربتا انتخابات 2000 و2016 التي فازا بهما الرئيسان جورج دبليو بوش سابقا ودونالد ترامب حاليا بحصولهما على أغلبية المصوتين في المجمع الانتخابي على حساب منافسهما، آل غور، مرشح الحزب الديمقراطي في 2000 و هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطى فى 2016، وذلك رغم حصولهما على أغلبية أصوات الناخبين و اعتمادا على هذا فإن النظام الأمريكي لا يثق في القوة الشعبية لاختيار رئيسه بدليل أن الانتخاب الحقيقي للرئاسة يُجرى في الأسبوع الأول أو الثاني من ديسمبر في نفس سنة الانتخاب العام عندما يجتمع أعضاء المجمع الانتخابي ليدلوا بالأصوات التي صوتت بها ولاياتهم.
لذلك عادة ما يركز المرشحون في حملاتهم الانتخابية الرئاسية على الولايات المتأرجحة (بنسيلفانيا، ميشيغان ووسكانسن) للفوز بأغلبية المجمع الانتخابي. ففي الانتخابات الرئاسية السابقة فاجأنا الرئيس ترامب بفوزه بهذه الولايات الثلاث مضيفا لرصيده 46 عضوا في المجمع الانتخابي ليكون بذلك أحد أسباب فوزه بالانتخابات الرئاسية وبدون أغلبية شعبية.
هذا ولا يحسب العدد الكبير من الأصوات الشعبية في الولايات ذات الكثافة السكانية مثل كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا، وهذا لأن عدد أعضاء المجمع الانتخابي وحصة النواب المخصصة لكل ولاية لم تتغير منذ 1964 برغم تزايد عدد سكان أمريكا. فخذ على سبيل المثال ولاية كاليفورنيا الذي يمثل فيها ناخبٌ واحدٌ 718 ألف شخص وقارن ذلك بولاية مونتانا التي يبلغ سكانها حوالي مليون نسمة ولها ثلاثةُ ناخبين.
هذا وتنبثق جذور عدم المساواة في النظام الأمريكي الانتخابي في طريقة تعداد السكان التي تجري كل عشر سنوات والتي يتم من خلالها إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية التي يرتكز عليها المجمع الانتخابي. ولأن مسؤولية هذا الترسيم تعود إلى المجالس التشريعية فإن الحزب الحاكم بالأغلبية في تلك السنة يستغل نفوذه السياسي بالمجلس التشريعي ليرسم حدوده بما يناسب مصالحه الانتخابية. وهذا ما يفسر انحياز المجمع الانتخابي لصالح الجمهوريين في انتخابات2020.
وهنا يجب الإشارة، كما جاءت في دراسة “روبرت ايركسون”، “كارل سيغمن” و “لينان ياو” حول “انحياز المجمع الانتخابي والانتخابات الرئاسية في 2020” بأن حالات فوز الرؤساء الأمريكيين بدون أغلبية شعبية نادرة في التاريخ الأمريكي الانتخابي حيث لم تحصل إلا خمس مرات في القرون الثلاثة الماضية. كما أسنتج كتاب هذه الدراسة غياب أى انحياز لاى حزب أو أخر فى العشرة انتخابات التى سبقت 2016 أى منذ سنة 1980. فى نفس الوقت أستخلصت الدراسة بأن المجمع الانتخابى الحالى ينحاز الى صالح الجمهوريين.
يتضح من هذا أن هناك طريقان للفوز بالبيت الأبيض. فمسار ترامب يرتكز على المصوتين، فكلما قل عددهم، كلما زادت حظوظه بالفوز بالمجمع الانتخابي. لذلك يصوب عدسته تجاه الولايات المتأرجحة (بنسيلفانيا، ميشيغان و ويسكانسن) للفوز بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، من خلال إبعاد المواطنين عن صناديق الاقتراع عن طريق زرع الرعب والشك في نزاهة العملية الانتخابية وبالأخص في التصويت البريدي ليكسب ذريعة عدم تقبله لنتائج الانتخابات في حال فشل في تحقيق أهدافه.
بالمقابل، يقوم المرشح الديمقراطي بايدن بتسليط الضوء على الأصوات الشعبية حتى يؤكد فوزه وكذا ولاء المجمع الانتخابي مرتكزا في ذلك على سوء تسيير الرئيس ترامب لعملية التصدي لوباء الكورونا، جاعلا إياه المسؤول الأول عن تردي الأوضاع الاقتصادية وموت ما يقرب ربع مليون أمريكي بسبب الجائحة.
و في هذا السياق يبدو أن بايدن متفوق في توسيع قاعدته الانتخابية بجذبه أنصارا صوتوا لصالح ترامب فى الانتخابات السابقة مثل الفئات الشابة التي لا تملك شهادة جامعية ونساء الأرياف و الرجال ذوي البشرة البيضاء، في حين تقلصت قاعدة ترامب الانتخابية بسبب جائحة كورونا وهو ما دفعه أن ينظم عدة جولات متكررة لإعادة أنصاره إلى صفه.
ليس مستبعدا أن يفوز الرئيس ترامب بعهدة ثانية عن طريق المجمع الانتخابي، ولكن يبدو ذلك بعيد المدى، فلقد تغيرت معطيات 2016 والرأي العام بفضل بايدن، وكما قال نايت كوهن من نيويورك تايمز فإن” حظ ترامب في 2016 كان بدخوله معركة الرئاسيات مع ثاني شخص في قائمة كبار من يكرههم الرأي العام كان ترامب يتصدرها” لذلك لا نستبعد أن يصبح بايدن الفائز بهذه الانتخابات. ولعل اكبر حجة فى هذا ما قاله الكاتب السياسي طوماس فريدمان بأن “إعادة انتخاب ترامب تعني أن عددًا كبيرًا من الأمريكيين لا يعتزون بالمعايير التي تعطي دستورنا معنى ، ولا يقدرون الحاجة إلى خدمة مدنية مستقلة ومحترفة ، ولا يحترمون العلماء ،،، لا تهتم إذا قال الرئيس 20000 كذبة – باختصار ، لا تهتم بما جعل أمريكا بالفعل عظيمة ومختلفة عن أي قوة عظمى أخرى في التاريخ”.. وللحديث عودة.
بقلم حمود صالحى من لوس انجلس