بايدان رئيس أميريكا وترامب يستعد لانتخابات 2024
رسالة أميريكا
د. حمود صالحي
السباق الي البيت الأبيض انتهى… والتحضيرات لانتخابات 2024 بدأت.. الحزب الديمقراطي يحتفل بفوزه برئاسة أميريكا، ويتجاهل ضعف أدائه في الانتخابات التشريعية. أما الحزب الجمهوري فتقبل هزيمته (ضمنيا) و يحتفل سرا بإنجازه الجيد والمفاجئ تحضيرا للانتخابات التشريعية، ويحضر لفرصة عودته بجدارة فيها و التي ستعقد بعد سنتين باعتبارها الفصلية القادمة لرئاسيات 2024. هذا هو الاطار العام الاستراتيجي الذى هو خلف ما يحدث من مراوغات وأكاذيب، يقوم اليوم بنشرها الرئيس الحالي دونالد ترامب كاحتجاج منه على نتائج انتخابات 2020.
تحزم لبقاء دونالد ترامب في الساحة السياسية حتى ما بعد 2024.
منذ مطلع هذا القرن،، أعتمدت الاستراتيجية الإعلامية للحزب الجمهوري على “مذهب واحد بالمائة” والذى تتبلور أفكاره حول خلق إشاعات كاذبة تتداولها وسائل الاعلام كأكذوبة ساذجة، يتباناها الرأي العام بتحفظ، بعد تكرار تغطيتها وفتح مجال للشك في صحتها.
لقد كان”ديك تشيني” نائب الرئيس السابق “جورج دبليو بوش” من أكبر ممولي هذا المذهب. نجح “تشيني” في تعبئة الرأي العام الامريكي لغزو العراق في مارس 2003 بتسريبه لمعلومات حول امتلاك النظام العراقي لأسلحة جرثومية على أساس
أنها ستُستخدم ضد أمريكا وحلفائها. وادعى ” تشيني ” أن تلك المعلومات سرية كونها مدعمة بشهادات منسوبة لمواطنين عراقيين مناهضين للنظام العراقي. وعبر قنوات مختلفة استطاع أن يسرب تلك المعلومات للصحفية “جوديث ميلير” التي كانت تغطي برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقي لجريدة “نيويورك تايمز”… وهنا تستحضرنا قصة جحا يوم كذب على الناس وقد صدقوه ليصدق هو بدوره أكذوبته ويستشهد بها.
لم تعرف “ميلير” آنذاك أن “ديك تشيني ” كان وراء مصدر أخبارها الأصلي، وأنها كانت ضحية خطته الكبرى لإقناع الرأي العام الأمريكي بأن غزو العراق كان ضروريا لحماية أمريكا ليس و حسب بل الإنسانية إجماعا. لقد استعمل “شيني” سمعة الصحافية وجريدة “نيويورك تايمز” لكسب المصداقية لخبره الكاذب، ووسيلة لإقناع معارضيه كشهادة على صحة زعمه. ولعل اكبر مثال على ذلك هو موقف اللواء و وزير خارجية الولايات المتحدة الأميريكية “كولين باول” الذي قال فى هذا الشأن إنه لو عرف ما يعرفه الْيَوْمَ عن البرنامج النووي العراقي آنذاك لما ساند غزو العراق. أما “ميلير” فإنها كتبت بأنها “كانت مخطئة” لأن مصادرها “كانت خاطئة”.
النقاش ، والحملة الإعلامية التي يقودها الرئيس ترامب هذه الأيام ضد نزاهة الانتخابات الأمريكية تنصب قلبا وقالبا في خانة أطروحة “واحد بالمائة”. فرغم استحالة فوز الرئيس ترامب بأغلبية المجمع الانتخابي، ورغم إثبات شفافية ونزاهة الانتخابات الحالية، إلا أن الرئيس ترامب لا يزال يواصل هجوماته على العد الانتخابي، مدعيا بأن الانتخابات مزورة تحت ذريعة وجود مؤامرة ضده. ورغم كل الشكاوي القضائية التي رفعها لحد الساعة، والتي تتعدى الاثنتي عشرة منها، و التي رفضتها المحاكم الأمريكية لفقدانها الأدلة الثابتة عن حدوثها، يسعى ترامب جاهدا إلى تكثيف ادعاءاته عبر وسائل الإعلام وفِي إسدائه أوامر لمحاميه برفع شكاوى أخرى إلى المحاكم.
والواضح هنا أن هدف الرئيس ترامب هو إضفاء صورة مشككة في أوساط الرأي العام الأمريكي حول عدم شرعية فوز “جو بايدن” بهذه الانتخابات ليخلق أرضية لحملته الانتخابية القادمة.
ولكن هناك أبعاد أخرى يجب عدم تجاهلها. يقول الرئيس ترامب بأن الفوز سهل والهزيمة صعبة. تاريخ ترامب في العمل السياسي والاقتصادي يثبت ذلك… و لهذا يستعد الآن لتحويل هزيمته إلى نصر في انتخابات 2024. وهذا مبني على النتائج التي حصل عليها بعد تصويت ما يناهز السبعين مليون ناخب لصالحه.
فمن المحتمل جدا أن يبني الجمهوريون إستراتيجيتهم لعام 2024 على مستجدات ما سجلوها في هذه الانتخابات ومنها أولا، يستبعد الجمهوريون أن ينجح الحزب الديمقراطي في الحفاظ على قاعدتهم الانتخابية التي دعمتهم للفوز بانتخابات 2020. فالحزب الديمقراطي يعيش حاليا صراعا داخليا ما بين قيادته الحزبية التقليدية وقاعدته التقدمية الثورية حول قيادة الحزب الديمقراطي وبرامجه الاقتصادية والصحية. ويتنبأ الجمهوريون أن هذه الأزمة الداخلية ستترجم في فقدان ثقة الأقليات خلال الفترة القادمة من حكم “بايدن” ليمتنعوا عن التصويت و يعتمدون في هذا التحليل عن تجربتهم المثبتة مع الرئيس السابق “باراك اوباما” الذي وعدهم بانجازات لم يفِ بها.
ثانيا توقُعُ العكس من ذلك، يعول الجمهوريون على قاعدتهم الانتخابية أن تخرج بنفس العدد و الحماس الذي رأيناه في انتخابات 2020 ، وهو ما يساعدهم للعودة إلى رئاسة البيت الأبيض بقيادة دونالد ترامب. ثالثا وأخيراً فيعتقد الجمهوريون بأنهم سينجحون في إفشال برنامج “بايدن” بفضل نفوذهم داخل الكونغرس.
أكيد ان الرئيس المنتخب بايدن يملك التجربة والحنكة السياسية للتصدي لهجوم الجمهوريين. و كانت بداية هذا التصدي بالرد على اتهامات “ترامب” حيث قام بايدن بتطبيق نصيحة “ديك شيني” لرئيسه “جورج دبليو بوش” عندما طعن المرشح الديمقراطى “آل غور” في نتيجة انتخابات 2000. لقد أوصى”تشيني” الرئيس “بوش” بالتصرف كرجل دولة دون انتظار انقضاء المرحلة الانتقالية و البدء في العمل مباشرة كرئيس أمريكا… بناءا على أدائه لحد الآن، يبدو أن “بايدن” يبلي بلاءا حسنا.
بقلم حمود صالحي لوس أنجلس