ما يجب أن يقال.. زلزال في السعودية ورعب في الجزائر

يعرف، كل دارس للعلوم السياسية والقانون أن ملف مكافحة الفساد هو أصعب الملفات التي يمكن أن تقوم بها السلطة الحاكمة، فالخطابات والشعارات حول الموضوع، دائما ما تكون أسهل ولو نسبيا وهي تحتاج إلى شروط موضوعية عديدة، أهمها الجرأة بالفعل والإرادة السياسية وتطبيق هذه المكافحة في الميدان وفي شتى القطاعات تحتاج إلى الحكمة في تقدير المواقف والصرامة في التعامل مع الملف وخير دليل على ذلك، ما قامت به المملكة السعودية، مؤخرا، بأكبر عملية تطهير في المملكة، بسبب الفساد غير المشروع وتلقي رشاوي..
عملية طالت أمراء ووزراء ومسؤولين كبار في المملكة، قامت، على إثرها بوضعهم رهن الحبس والإقامة الجبرية في انتظار محاكمتهم كما قامت بإطلاق النار وتدمير طائرة كانت تهم بالهرب وعلى متنها أمير وبعض حاشيته، هذه العملية بغض النظر عن دوافعها وأبعادها إلا أنها نالت إعجاب وتقدير العديد من الشعوب العربية التواقة إلى العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والمفسدين.
في الجزائر، لا حديث إلا عن “الزلزال”، الذي ضرب صفوة عالم المال والأعمال والإعلام في المملكة السعودية، آملين أن تقتدي الدولة عندنا بما فعلته السعودية وولي عهدها برموز الفساد وأشباه رجال الأعمال وبارونات الحاويات وأثرياء العشرية الأخيرة وكل المرتشين أينما كانوا ومهما كانت مكانتهم أو درجة مسؤوليتهم.
السعودية أعطتنا درسا في التجديد السياسي والقطيعة مع الماضي الفاسد وأطاحت بديناصورات المال والأعمال وأصحاب الجاه والحسب والنسب، فما بالك بالكائنات البشرية، التي كونت ثروات هائلة من مال الشعب وتصرفت في الخزينة العمومية وكأنها تتصرف في حر مالها وتغولت وأصبحت تتصرف بدون حسب ولا رقيب وأنشأت مافيا “سياسية مالية”.
لكنها بعدما حدث في السعودية أصبحت تعيش رعبا، خاصة بعد ما قامت فرنسا بمصادرة وحجز أملاك وأموال ابن رئيس غينيا الاستوائية حتى الرئيس الفرنسي “ماكرون”، صرح لأحد مستشاريه الجزائريين، أنه على استعداد لمصادرة كل أموال الأثرياء الجدد إذا ما طلب منه ذلك ولا يخشى لومه لإثم في ذلك.
الشعب الجزائري سئم ظهور أثرياء الإدارة وأزلام المافيا السياسية المالية، التي أتت على الأخضر واليابس..، صحيح فيه رجال أعمال نزهاء ويعملون لمصلحة الاقتصاد الوطني وكونوا ثروتهم بعرق جبينهم لكن يوجد الكثير من أشباه رجال الأعمال أثرياء العشرية الحمراء وأثرياء الأزمة وأثرياء القروض البنكية والحملات الانتخابية،..
الشعب الجزائري ينتظر بصيص أمل يعيد له حقوقه المسلوبة ويحاسب كل من سوّلت له نفسه نهب المال العام، إن تصريحات “تبون” حول عزمه الحد من سطوة بعض رجال الأعمال جاءت وذهبت معه وليس مهما استعادة أسبابها وظروفها ونتائجها. والأخطر من ذلك كله هو أثرها، الذي بقي على السياسة لأن تبون لم يكن الأنسب للقيام بدور المصلح الاجتماعي والمنقذ للاقتصاد، لأنه ببساطة كان له دورا تابعا وليس قائدا.
اليوم بات واضحا أن استقرار الجزائر مرهون بمكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، التي تكلمت عليها أوراق بنما باييرز وغيرها المودعة في بنوك اسبانيا، إطاليا، فرنسا وسويسرا ودبي، مثلما تقول الصحف الوطنية والأجنبية ملف مكافحة الفساد ينتظر إرادة سياسية مثلما فعلت السعودية بعيدا عن شعارات “تبون” أم أن هذا الموضوع يبقى معلق في الهواء ينتظر إشعار أخر.