نقطة ضوء.. أخطر من تراجع أسعار النفط

تراجعَ مستوى الخطاب السياسي في الجزائر، حتى صار مقرونا بمعاني التقزز والتأفف والغثيان، وهي معاني وحالات وأوضاع لا تليق بعراقة الجزائر وموقعها الثقافي والاقتصادي والجيوستراتيجي ونضال شعبها وتطلعاته.
وفي هذا التراجع المخيف، الذي انحدر بخطاب النخبة السياسية إلى مجاري الكلمات ومزابل الألفاظ والعبارات، بعض تفسير ما أصاب الجزائريين من ابتعاد من مخيف عن الاهتمام بشؤون دولتهم، و عزوف مرعب عن المشاركة في صناعة مستقبلهم السياسي، و حق لهم ذلك، فليس من الحكمة اتباع ما يقوله السفهاء، و ليس من العقل الانسياق وراء ما ينتجه الحمقى.
لم يعد الكثير من الجزائريين يردون على حماقة الخطاب وسفه أصحابه بالعزوف السياسي عبر عدم التوجه إلى صناديق الاقتراع و عدم الانخراط في المسهد السياسي فحسب، لكن أيضا بالعزوف الجغرافي عبر “الحرقة” وركوب قوارب الموت، وهذا في حد ذاته زلزال يتطلب منا وقفة جادة..فهؤلاء الشباب يهربون اليوم من الرداءة فرادى وجماعات، وشعارهم في ذلك “لمن استطاع إليها سبيلا”.
كيف نلوم هؤلاء الجزائريين على عزوفهم السياسي و لا نلوم السياسيين الذي يبدعون كل يوم في دفعهم إلى ذلك؟ كيف نحاكم أولئك الشباب على “حرقتهم” الجغرافية، ولا نلوم المسؤولين الذين يحاصرونهم كل يوم بالمسخرة والتفاهة والعبث؟
ماالذي تنتظرونه من شعب يقضي آناء الليل و أطراف النهار يشاهد مسؤوليه السياسيين يتقاذفون التهم المهولة الواحدة تلو الأخرى، فهذا “عميل” لأنه يخالفني في الرأي، و ذاك “خائن” لأنه يرفض الانخراط في مسار رسمته، وثالث تحركه يد أجنبية لأنه هب مطالبا بحقه.
ما الذي تنتظرونه من شباب اكتشف بأن الأصل في خطاب مسؤوليه السياسيين هو الكذب والسفسطة وإخلاف الوعود والعهود؟ ما الذي تنتظرونه منهم وقد تعودوا على متابعة مشاهد السياسة كما يتابعون مشاهد مسرحيات عادل إمام؟ حتى صار الممثل الفكاهي الكبير عثمان عريوات الشخصية الأكثر حضورا في التعاطي مع أقوال السياسيين و أفعالهم..هل بعد كل هذا يحق لنا أن نلوم هذا الشعب المغبون الذي يشاهد كل يوم ويسمع ويقرأ ولاة أموره الحاليين والمحتملين وهم يناقشون مستقبله ومستقبل أولاده بالنكت و الكلام السوقي المنحط و الطرح السطحي المقرف؟
والله إن هؤلاء السياسيين والمسؤولين يفعلون بالجزائر لأعظم ما لا يفعله العدو بعدوه، أوليس جمال ولد عباس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، “حزب الدولة” و”حزب الرئيس”، هو الذي يشوه صورة الجامعة الجزائرية عندما يعتقد بأن الشهادة العلمية لا قيمة لها إلا إذا قاسم صاحبها مقاعد الدراسة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل؟ أو ليس رئيس الرابطة الجزائرية لكرة القدم محفوظ قرباج هو الذي يشوه كرة القدم الجزائرية عندما يتهم المدرب الفرنسي، لمولودية الجزائر، برنار كازوني، بالمستوى المنعدم “لأنه لو كان مدرب جيد لما اضطر للتدريب في البطولة الجزائرية”؟..وليس هذا سوى غيض من فيض.
وبالنظر إلى كل ما سبق أمكن القول بأن أخطر تراجع يصيب الجزائر اليوم، ليس في أسعار النفط ولا قيمة الدينار ولا نسب النمو ولا احتياطي الصرف ولا صندوق ضبط الإيرادات، ولكن في تراجع مستوى السياسيين الجزائريين وانحدار مستوى خطابهم إلى أسفل سافلين.