رسالة أميريكا: اقتحام الكونغرس.. زعزعة لمكانة الديمقراطية في أمريكا

بقلم د. حمود صالحى
إنه أمر لا يصدق ومع ذلك كان متوقعا. هذه أوقات غيرعادية لم يسبق لها مثيل فى أمريكا. يواجه الرئيس دونالد ترامب اتهامات ضده بأنه رجل خطير يهدد استقرار الأمن القومي الأمريكي وقيمه الديمقراطية. ودعوات متصاعدة تطالب للإطاحة به بتهمة تحريض انصاره على ممارسة العنف واقتحام مبنى الكونغرس للضغط على أعضاء مجلسي النواب والشيوخ المجتمعين فى جلسة مشتركة للمصادقة الرسمية والنهائية على فوز الرئيس المنتخب “جو بايدن” بالرئاسة. ولقد خلف الاقتحام مقتل اربعة اشخاص وخسائر مادية جسيمة واضطر أعضاء الكونغرس للاحتماء من أذى المتمردين فى أماكن سرية بداخل المبنى. هذا، وقد وصل أنصار الرئيس ترامب إلى مبنى الكابتول بعد التجمع الذي القى فيه الرئيس الامريكي دونالد ترامب خطابا يحثهم للتوجه الى المبنى وكرر ادعاءه بتزوير الانتخابات وسرقتها لصالح الديمقراطيين. و حتى صديقه المقرب ومحاميه “رودي جولياني” كان أكثر تحريضًا على القتال. بينما واصل نجل الرئيس في نفس السياق فى إثارة الحشد المتجمع.
وعندما اقتحم المتمردون مكاتب الكونجرس، لم يستطع الرئيس ترامب تمالك نفسه واتصل هاتفيا بأحد اعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري ، والذي كان تحت تهديد المتمردين ليطلب منه تأجيل التصويت للمصادقة على فوز الرئيس المنتخب “جو بايدن.” وعلى الرغم من مناشدة السناتور وطلبه المساعدة منه، أمضى الرئيس ترامب أكثر من عشرين دقيقة في محاولة لإقناعه بتأجيل التصويت. وام يتدخل الرئيس ترامب الا بعد ساعات من هجوم المتمردين على الكونغرس، وعندما كان أعضاء المجلس لا يزالون في أماكن منعزلة، وبعد أن أصدر نائب الرئيس “مايك بنس” ورئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” أمرًا للحرس الوطني من اجا انقاذهم. بل الاكثر من هذا كانت رسالته مؤيدة للمتمردين طالبا منهم بالعودة إلى منازلهم “وأنه يحبهم”، لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو ادعاءه على أنه هو الذي طلب من الحرس الوطني التدخل . وفي نهاية اليوم ، حسمت النتيجة بتصويت الكونجرس و الإقرار بفوز “جو بايدن كرئيس أميريكا.
لكن كل هذا كان متوقعا. كانت كل الاشارات تدل على حدوث هذه المؤامرة في الـ 6 جانفى . لقد حذرتنا التقارير بعد الدراسات والتغطيات الإعلامية وكذا خبراء الإرهاب من التهديدات البارزة التي عصفت بأمريكا في 6 يناير 2021. توقع الخبير في شؤون التطرف اليميني، “روبرت إيفانز”، احتمال استيلاء المتطرفين على مبنى الكابيتول بعد دراساته المعمقة للمواقع الاجتماعية التابعة للمنظمات اليمينية المتطرفة واستنتج أن هجوم الـ 6 يناير 2021 كان قيد التخطيط ” لشهور وفي بعض الحالات لسنوات” قبل الانتخابات الرئاسية 2020 . وقالت الباحثة ” سينثيا ميلر ادريسى” قبل الانتخابات الأخيرة بأنها تخشى أن يكون “هناك الكثير من المتطرفين الذين سيخلقون عاصفة بعد الانتخابات وحولها وأثناء التنصيب.” وفى نفس السياق، أعربت وزارة الأمن الداخلي، في تقريرها الصادر أكتوبر الماضي قلقها الشديد لكون “الإرهاب المحلي أصبح أكبر تهديد محلي في الولايات المتحدة.” أما بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، فقد أشار في تقريره السنوي إلى أن عدد جرائم الكراهية في أمريكا تزايد منذ عام 2008. وأرجع “مركز قانون الفقر الجنوبي” سبب ذلك الى سياسة الرئيس ترامب.
ليس هناك من ينكر أن الرئيس دونالد ترامب كان حافزًا لنمو وتطور الحركات اليمينية المتطرفة. إن خطابات ترامب التي تنبعث من الكراهية والتمييز ونظريات المؤامرة وشعار”أمريكا العظمى” كلها تصب في اثبات تفكير واستراتيجيات التطرف اليمينى. حيث يعتقد المتطرفون أن أمريكا تتعرض لخطر الاضمحلال بسبب موجة التغيير الديمغرافي لصالح الأقليات. التقديرات التي تظهر أن البيض سيفقدون الأغلبية بحلول عام 2050 وهذا ما يزيد من قلقهم. ان معظم خطابات الرئيس ترامب تتناسب و المعتقدات التي يؤمن بها المتطرفون. يذكر الاستاذ “براين لفين” بأن اليمين المتطرف “يتوقف على كل كلمة لترامب. وحتى في حالة الغموض ، فإنهم يرون الدعم “، مضيفا بأن “تسييس تهديدات الأمن القومي هو أمر رجعي ويضر أمريكا”.
يبقى السؤال المطروح لماذا لم تتخذ السلطات الأمنية بهذه التنبؤات على محمل الجد…
يفسرها البعض أنها راجعة الى العنصرية حيث يرون انه لو كان هؤلاء مسلمون أو سود لكان التدخل أسرع و آني. في حين يفسرها آخرون على أنها خطة مفتعلة من طرف المنظمات اليسارية الراديكالية و المنظمات اليمينية المتطرفة والتي يمكن تصنيفها فى المجال الدعائي الذي يروج فى الوسائل الاجتماعية بدون أدلة . أما الطرف الثالث فيذهب الى أبعد من هذا حيث يحمل الرئيس ترامب المسؤولية في عدم التدخل الأمني كونه كان يحضر لانقلاب ضد النظام الأمريكي. وهذا ما يعقد ايجاد اجابة شافية للسؤال المطروح.
مصير الرئيس ترامب حاليا في رهان الكونغرس حيث يبحث حاليا أعضاءه في عزله ومنعه من الترشح واعتلاء مناصب حكومية مدى الحياة بعد ترك منصبه. فى ظل ذلك بدأت أمريكا تعود إلى حياتها الطبيعية وتنظر الى مستقبلها تحت ادارة رئيسها الجديد والذي تنتظهره مهمة صعبة . ستكون قيادته مفتاحًا لمستقبل الديمقراطية الأمريكية وسمعتها في جميع أنحاء العالم.
بقلم د. حمود صالحى