آخر الأخبار
جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر زيدان يضع شرطا واحدا لتدريب بايرن ميونخ السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة مسؤول إيراني: لا نخطط لرد فوري على الهجوم على أراضينا عطاف يعقد لقاءين ثنائيين مع نظيره البرازيلي، السيد ماورو فييرا، وكذا مع نظيره الأردني، السيد أيمن ال... اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للندوة العربية الدولية للتضامن مع الشعب الصحراوي الحصيلة العملياتية للجيش الوطني الشعبي في الفترة من 10 إلى 17 أفريل 2024 ممثل فلسطين أمام مجلس الأمن : منح العضوية الكاملة في الأمم المتحدة من شأنه "رفع جزء من الظلم التاريخ... الانتهاء من إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة السيد الفريق أول، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، يستقبل رئيس اللجنة العسكرية لمنظمة حلف شمال الأطل... المحطة الثانية في زيارة وزير الاتصال لولاية وهران: محطة الارسال لمؤسسة البث الاذاعي والتلفزي بجبل قه... عطاف يشدد على ضرورة منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين وزير الاتصال البروفيسور محمد لعقاب يتفقد مختلف أقسام ومصالح شركة الطباعة للغرب عطاف: استهداف الاحتلال الصهيوني وكالة الاونروا يستدعي موقفا دوليا جريئا لحمايتها وتسهيل استمراريتها الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية للاونروا بقيمة 15 مليون دولار (عطاف) عطاف يلتقي المفوض العام لوكالة الأونروا، السيد فيليب لازاريني عطاف يجري لقاءً ثنائيا مع المبعوث الخاص للرئيس الفلسطيني، وعضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسط... عطاف يجري محادثات ثنائية مع المنسق الأممي لعملية السلام في الشرق الاوسط، السيد تور وينسلاند الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، السيد لوناس مقرمان يستقبل رئيس اللجنة ... السيد مقرمان يستقبل نائبة الوزير المكلفة بالتغير المناخي بوزارة الشؤون الخارجية لجمهورية كوريا الجنو...
أحجار الوادي

عبد الناصر وأردوغان.. الأمَّة والخلافة

خالد عمر بن ققه
حين يصل مجرى الوادي إلى نهايته، وتبلغ حملته ـ غير السياسيّة ـ ذروتها، ويتَّخذ طريقه القدري في تكرار شبه أبدي في مرحلة ما بعد الغدير وصوته، نحو عودة تنتهي إلى تكريس البداية حين كان خالياً إلا من أحجاره، تكون هذه الأخيرة هي الثابت الوحيد، وعلى مِثْلها يمكن أن نقيس ثوابت الجغرافيا، وحوادث التاريخ، ومنظومة القيم، وعمق الإيمان، وعلاقات البشر، ومستقبل الدول، ودور القادة، ومصير الشعوب، وحركة الزمن، ومسار الحياة.. هنا في هذه المقال كثير أو قليل من هذا وذاك”

بدخولنا عام هجري جديد( 1443) في ظل أوضاع يعيشها العالم الإسلامي، نجد أنفسنا مطالبين بالعودة إلى النَّبع الصافي، حيث بداية الوحي، وإعلان سياسة التوحيد، ودفع الأنفس إلى الخروج من الوثنيّة والشرك في تلك البقعة الطيبة” مكة المكرمة” أم القرى”، وما تلاه من انتشار لتأسيس الدستور وإقامة الدولة في” المدينة المنورة”، وما تبع ذلك كله من انتشار للفكر وللحضارة من منطلق ديني، انتهى بعد قرون وحتى اليوم إلى صراع سياسي شديد، تحول إلى فتنة، وهو في ظاهره اختلاف عن طبيعة الحكم، ولهفة إلى السلطة حتى لو كان ذلك بتكلفة دموية، لكن في حقيقة الأمر ـ أو على الأقل ـ كما أرى ــ هو صراع ديني تاريخي، يقوم على سوء فهم خاطئ لمعنى” الأمة”، والخلافة”.. فكيف ذلك؟

يُعاني المسلمون وجدانيّاً وعاطفيّاً، وحتى إيمانيّاً، منذ 97 سنة (أي من 1924) من سقوط الخلافة العثمانية، والتي ـ هي جوهر في البدايات، وشكلٌ في النهايات ـ كانت إسلامية، وتلك معاناة تضاف إلى هذا الكم المتراكم من سيطرة الدنيوي عن الديني في تطويع للإفهام وللاجتهادات، بل وللنص لصالح أنظمة الحكم بكل أشكالها، وكل ذلك آتٍ من تصنيف أولي للسلطة، بحيث حل تصور الحكم إلى خلافة في عملية قهر للأمة، وللخروج عن المفهوم الأخير، بدت كل أنواع الحكم في العالم الإسلامي منتمية لقبائل أو جماعات، وأحيانا أشخاصا، من ذلك على سبيل المثال: الخلافة الأموية، العباسية، الأندلسية، الفاطمية، والعثمانيةوغيرها.

الخلافة.. والنّبوّة
وهكذا نلاحظ أن الانتساب، وبالتي الفعل وإن حمل صفة الإسلام، هو في الغالب لم يكن كذلك، مما ترتبت عنه أسباب للسقوط، بيَّنها الكاتب” أحمد عبد الوهاب الشرقاوي” في مقال له نشر على موقع” إضاءات”، وحمل عنوان:” كم مرّة سقطت الخلافة الإسلامية؟”، حيث يقول:” عندما زالت الخلافة الراشدة، وآلت مقاليد الحكم إلى الأمويين، زال معها الشعور بقدسيّة المنصب وجلال اتصاله بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وبدأت الشقة تتسع في افتراق الحكم عن شرعيته المتصلة بالله عبر خلافة رسول الله في القيادة المادية والمعنوية للمسلمين”.

وفي تصوري أن هذا الأمر في جوهره طبيعي، لأنه من غير المنتظر عن أن تكون دول” الخلافة” كدولة” النبوة”، لكن ما يجب رفضه أو على الأقل قراءته بوعي هو أن يتم تحميل الأمة مسألة الخلافة، أو ادماجهما معاً، لأن الأمة حالة ثابتة عند التشتت، والهزيمة، والسقوط، من منطلق عالمية الإسلام، والخلافة حالة متغيرة بتغير الحكام والأزمنة، والدليل عن ذلك أنه كلما طال بنا الأمد، اتّسعت دائرة الاجتهادات السياسية بما يجعل الأمة في تناقض، بل في صراع مباشر مع الخلافة.

هنا نعود مرة أخرى إلى مقال الشرقاوي، لنضرب معه مثلا عن بداية الخلافة العبَّاسيَّة ونهايتها، حيث يقول:”.. ثم زال الشعور بالأمان المجتمعي والسياسي عندما استهلَّت الخلافة العباسية عهدها بخصومة فاجرة ضد الأمويين وأشياعهم.. وسقطت شرعية الخلافة العباسية ــ على الصعيد الديني ــ بشكل صارخ؛ عندما عجزت جيوش الخليفة عن حماية حجاج بيت الله والكعبة والمسجد الحرام من التعرض لمذبحة رهيبة على أيدي القرامطة”.

والواقع أن الحال تلك تكررت على فترات متقطعة من تاريخنا، إذْ كلما حلَّت خلافة لعنت أختها، بل كان ولا يزال الصراع ــ الدموي في الغالب ـ قائما نتيجة تنازع خلافتين في وقت واحد، ثم تطور الأمر وتحول إلى تعدد الدول التي تدَّعِي الخلافة، وبذلك قُزِّمت الأمة، وتخلت كرها بفعل الحكام عن القيم الساميِّة للدين، والتي هي اليوم قيم إنسانية مشتركة.

الميراث الأسود
والملاحظ أنه في كل مراحل تاريخنا منذ التحاق الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالرفيق الأعلى، ونحن نستحضر الأمة قولاً، ثم نفعل ما يخالفها باسم الخلافة فعلاً، بل أننا أحيانا ـ وخير مثال حاضرنا ـ نسعى لإنهاء وجودها بتحالف مع الآخرين، من أجل استجداء شرعية منقوصة تظهر ولاءَها للدولة الوطنية، وهي في جوهرها تخدم أجندات الآخرين، ولزيف في الوعي تم تراكم العداء تجاه الخلافة، وفي أذهان معظم العرب ـ خاصة منظريهم ـ الخلافة العثمانية، لكن ما علاقة ذلك العداء بالأمة؟

سبق أن أشرت في محاضرة ألقيتها في” مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية” في أبوظبي، بتاريخ 19 فبراير 2020، وحملت عنوان:” العالم العربي: مشكلة المسارات وإشكاليّة المصائر” وقد نشرت في كتاب حمل العنوان نفسه:” كثير ما يدور الحديث في أوساط النخب السياسية والثقافية ـ العربية خاصة والمسلمة عامة ـ حول مفهوم” الخلافة”، الذي ينتهي بنا في الغالب إلى التخلي طوعا أو كرها على” الأمة الإسلامية” كونها أمة واحدة منبثقة من الإيمان بالإله الواحد الأحد، وما يترتب عن ذلك من عبادة وتقوى، ويأتي التخلي هنا من الميراث الأسود للخلافة العثمانية مع الفروق في تقييم دورها التاريخي عدلا وظلما من المجتمعات العربية”، ذلك أن نظرة المشارقة للوجود التركي في البلاد العربية غير تلك النظرة التي تميز المغاربة، ومن هنا يأتي التعامل اليوم مع تركيا.

إذن هناك نوع من التقديس غير المقصود لمسألة الخلافة واعطائها معنى دينيّاً، وهو تشويه للمعنى الحقيقي للخلافة، وهو ما نستشفه من تعريف رضوان سليم في كتاب” نظام الزمان العربي: دراسة في التاريخيات العربية ـ الإسلامية”، حيث يقول:” تاريخ الخلافة الإسلامية هو التاريخ السياسي في مقابل التاريخ الديني، فهو يدون أخبار الخلافة والملك والسلطان في مقابل أخبار المبتدأ والبعث والمغازي، ويكتب تاريخ الخلفاء والملوك في مقابل تاريخ الأنبياء والرسل، يصف ظهور الدول وأفولها في مقابل بداية الرسالات ونهايتها”.

غير أن التعريف السابق لجهة التفريق بين تاريخ الخلافة من حيث هي ممارسة سياسية باعتبارها فعلاً بشريّاً ذات صلة بالأرض، وبين تاريخ الرسالات ودور الأنبياء والرسل باعتبارها صلة بالسماء وتنفيذا لأوامر الله سبحانه وتعالى، لم يحل دون تشكيل وعي زائف في الوقت الراهن من جهة أولى، وتعمّد نشره من الأنظمة والحكومات من جهة ثانية، مع أننا نعي ذلك سواء بحكم القراءة التاريخية، أو بحكم غياب الجامع الذي يؤهلنا إلى إعادة تكرار التجربة، أو حتى لعدم توفر الشروط الموضوعية لقيام خلافة إسلامية من جديد رغم حنين كثير من العرب والمسلمين إليها، ناهيك عن أن تعدد الأنظمة بتعدد الأوطان أصبح حقيقة وواقعا، وما نتج عن ذلك من طبائع للحكم هي في بعض الحالات أشد ظلما وبطشا من تلك التي عاشتها دولة الخلافة في عدة مراحل من تاريخها.

تركيا.. ودم الجوار
إننا نذهب بعيداً لدرجة نبدو فيها باحثين على حلول لخصومات الماضي ونزاعته المتعلقة بالحكم والسلطة تحت المبرر الديني، وقد يرجع هذا إلى عاملين، الأول: نابع من واقع محلي، حيث التيارات الدينية ـ على جهل منها تارة، وعلى بحث عن مرجعية تاريخية تارة أخرى ـ تسعى جاهدة للاستيلاء على الحكم، بتنظير ماضوي وتطبيقات حداثيَّة، ووسائل غربية، ومنها الديمقراطية بوجه خاص.

وهذا الطموح ـ المصحوب بالدماء أحيانا من قوى دينية ـ بغض النظر عن شرعيته من عدمها، مرفوض جملة وتفصيلا من الأنظمة العربية بتعدد مشاربها وتوجهاتها وأنماط حكمها، لذلك هي تلجأ إلى استعمال القانون لدرجة التعسف في بعض الحالات، كما تلجأ إلى العنف المبرر في حالات أخرى، وقد أدى ذلك إلى صراع على النحو الذي عايشناه في عدد من الدول العربية.. المهم أن تلك الدول تعمل على إزالة تيارات الدينية من جذورها، وهنا ينتهي بها إلى الأمر إلى نقد نظام الخلافة الإسلامية، والطعن حتى في جوانبه الخيّرة، والجميلة، والمؤثرة.

أما العامل الثاني: يأتي صارخا هذه الأيام وشاهدا على حالة القصور في الفهم للدور، لمن يدعون وراثة عرقيّة للخلافة الإسلامية، وأقصد هنا الدولة التركية ممثلة في رئيسها رجب طيب أردوغان، حيث يشعل هذا الأخير نار الفتنة على نطاق واسع في دول الجوار العربي، خاصة في سوريا، وقد سبق لي أن سألت أرشد هرمزلو كبيرـ مستشاري الرئيس التركي لشؤون الشرق الأوسط عند إلقائه محاضرة بعنوان «علاقات العرب وتركيا في ضوء السياسة التركية» وذلك في مقر المركز الثقافي ـ الإعلامي للشيخ سلطان بن زايد، في 2011 : لماذا تدعم تركيا الشعب السوري في انتفاضته ضد حكم الرئيس” بشار الأسد” في حين لا تعترف بحقوق الأكراد عنها”، فتهرب من الإجابة، ذلك أن تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، كانت ولا تزال ترى أنها صاحبة حق لجهة التدخل في شؤون الدول العربية.

خداع أمّة لنفسها
ليس هذا فقط، بل أن أردوغان، تخطّى مجاله الجغرافي وانتقل إلى ليبيا، معيدا في تصوره احياء دور أجداده في المنطقة، مع أنه في حقيقة الأمر هو يقود ميراث دولة علمانية أسسها كمال أتاتورك، فشلت في اصلاحاتها، وإن ادَّعت نجاحها في بعض مجالات الاقتصاد، مع أنها لم تسطع أن تسير على نفس ركب الدول التي سارت على طريق الإصلاح، مما أوصلها اليوم إلى تمدُّد دموي نحو الخارج، وبالذات نحو الدول العربية، التي رفضت يوما لغتها، التي سادت بها وحكمت لقرون، وهي لغة القرآن.

هكذا إذن نرفض نحن العرب المسلمين الخلافة الإسلامية، لأننا نختصرها في مصائب وبطش وتخلف الإمبراطورية العثمانية، وترفضها أيضا تركيا بقيادة أردوغان في نظرتها من حيث لا تدري، بل إنها في حقيقة الأمر رفضتها منذ إصلاحات أتاتورك” التي مثّلت خداع أمَّة لنفسها”، إذا قورنت بإصلاحات أخرى، عكست ـ من منظور عالمي ــ حكمة أمة ما.

هنا يحقُّ لنا النظر مثلا في” الاختلاف بين فلسفة الإصلاح الياباني وفلسفة الإصلاح التركي، الذي يبدو أكثر وضوحا في موقفهما المختلف من مسألة حروف الكتابة، حيث قامت تركيا بإلغاء حروف الكتابة العربية.. أما اليابان فقد رفضت دعوة مستغربيها لتبني حروف الكتابة اللاتينية، وأصّرت على الاحتفاظ بنظام كتابتها المعقد الذي يحتوي على 880 حرفا “، كما ذكر المفكر البوسني” علي عزّت بيجوفيتش في كتابه” الإعلان الإسلامي”.

وإذا كانت تركيا تدرك أنها بإلغائها الحروف العربية قد فقدت سبيل استمرار وجودها التاريخي في مجالنا العربي، وأنها تخلت عن الجامع والمشترك، وفقدت كل ثراء الماضي ـ السلطوي والديني، الذي حملته الشعوب العربية ولغتها، كما أنها تدرك اليوم أن العودة إلى حيث كانت يعدُّ ضربا من الوهم، حتى لو شاركت في سفك دماء العرب هنا وهناك.
وبالمقابل إذا كانت الدول العربية جميعها تعرف أن تركيا لن تتمكن من العودة ـ استعماريّاً ـ إلى عاملنا لأسباب كثيرة تحول دون ذلك، مع أنها تتواجد عسكريا في ليبيا وسوريا والعراق.

فلماذا إذن يوهمان بعضهما ـ العرب والأتراك ـ بقدرتهما على تغيير الأوضاع رفضا للخلافة أو ادعاء بإحيائها؟

دار سلام.. ديار حرب
يمكن أن نختصر الإجابة في القول: أن التطوُّر المأسوي لتيار الإسلام السياسي، واتِّخاذه لتركيا دار سلام، وتصنيفه للدول العربية الأخرى، خاصة مصر وسوريا، على أنهما” ديار حرب”، هو الذي جعل المطامع التركية ـ الأردوغانيَّة تتحول إلى مشروع سياسي دموي مدمِّر في المنطقة.

تلك هي حال العرب في علاقتهم بتركيا اليوم، انطلاقاً من إرث ديني مشترك، وهي ــ كما تمَّت الإشارة إليه سابقا ـ حالة تبرهن على فقدان المعايير لجهة الشراكة الحضارية مع الآخر في إطار الفضاء الديني الواحد، بل والمذهبي الواحد، وهو وإن كان يؤثر سلبا على العلاقات السياسية، ويحدث هزات في تضاريس الجغرافيا، ويُحْيِ عداوات تجاوزها الزمن، ويُصدِّر صراعاً عرقيّاً لا تزال تأثراته السابقة محفورة في ذاكرة الزمن، ويُعبِّد الطريق لتدخل سافر في الشؤون الداخلية للدول العربية، ويُغَيِّر من ولاء شعوبها وانتماءاتها.

لكن كل ذلك لا يعّد مقلقا ـ لأنه أسلوب الدول ولغتها في الوقت الحالي ـ مقارنة بما تنتهي إليه الأمة الإسلامية انطلاقا من الدور العربي، من نهايات بشعة، تظهر جليَّة اليوم في تغير مفاهيم: الأخوة الإسلامية، والأعداء، والعلاقات الإيمانية، والأهم من هذا كله: إعادة النظر في المرجعية التي نعود إليها كلما فقدنا بوصلة الاتجاه، أو تعذَّر علينا اتِّخاذ مواقف ذات طابع ديني.

أمة عبد الناصر
لكن هل تنتهي مخاوف الراهنة من صراع متجدّد بين الأمة والخلافة اعتماداً عن الحديث الطيب، والآمال الوردية، والبحث عن المشترك، والتعويل على رشد أصبح ضربا من الوهم؟.. بالطبع لا، وهنا في ظل هذا الواقع المأسوي، يصبح مشروع الأمة حاضرا في مواجهة الخلاف انطلاقا من الدور العربي، وأحسب أن ذلك ما قام به الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فكيف تم ذلك؟

منذ أن أصبح رئيسا للجمهورية في يونيو 1956، وإلى أن توفي في سبتمبر 1970، أي خلال ربع قرن تقريبا، وضع الرئيس جمال عبد الناصر الأمة العربية، في مواجهة حقيقية مع الاستعمار الجديد( الغربي)، والاستعمار القديم المتمثل في ميراث الخلافة العثمانية، وأرفق كل هذا بمنجزات لصالح المسلمين في مصر والعالم الإسلامي كله، بعضها كان أكبر حجما وأشد تأثيرا مقارنة بما حدث على طول التاريخ الإسلامي.

ومع أن الصراع بينه وبين تنظيم الإخوان المسلمين، قد عاد بكوارث، لا زلنا ندفع مأساتها إلى الآن، وتتكرر بأشكال مختلفة في عدد من الدول العربية، وعمَّق الخلاف بين مشروعين، الأول: يخص الدولة الوطنية المستقلة حديثا، والثاني: يركز على ملكية الدين لتنظيمات بعينها في محاولة لإحياء” الخلافة الإسلامية ـ وتحديدا العثمانية، إلا أنه في النهاية أعادنا إلى البدايات في تثوير هادف من أن العرب عليهم تحمل مسؤولية الرسالة، من منطلق أنهم يمثلون الأمة، ولا يخضعون لتجاذبات الخلافة.

ما بين قائدين.. حياة وموت
اليوم، ورغم تراجع مشروع جمال عبد الناصر القومي في مصر أوّلاً، وفي العالم العربي ثانياً، بل هناك من يعتبره هوى سياسي يصل إلى درجة الإجرام لطاغية عفا عنه الزمن، كرّس هزيمة الأمة وفشلها، وبالتي لا يمكن مقارنته برئيس مثل رجب طيب أردوغان، ناجح على أكثر من صعيد.. صحيح أدخل بلاده في نزاعات مع كل جيرانه، إلا أنه جعل من بلاده قوة حقيقية.

هذا القول في ظاهره صحيح، لكنه ابن الحاضر فقط، ومع ذلك فلا وجه للمقارنة بين عبد الناصر القائد، الذي كان يستنهض أمة من سباتها العميق، وبين رئيس يعمل على صناعة عداوات، وهناك فرق آخر أيضا، بين زعيم يحمل مبادئ، وبين آخر تحكمه المصالح وحدها دون حساب لأي ميراث مشترك.

يضاف إلى ذلك فرق ثالث، وبين قائد نصَّبته الشعوب زعيما، وبين من يدّعي مجدا وبطولة يحاول فرضها، وهناك فرق رابع، بين زعيم رحل منذ خمسة عقود، ومع ذلك لا يزال حيّا في ضمائر الناس، وبين زعيم يموت اليوم وهو حيّ بصناعته للدم في أكثر من مكان.

يبقى أن المهم في تجربة عبد الناصر الماضية هي دفع الأمة نحو الانطلاق والتحرر والتجدد، بعيداً عن قدسيّة الخلافة، مما جعلها تتحرك في فضاء العالم الإسلامي الواسع، وبذلك حقق جزءاً من عالميّة الإسلام، والمهم في تجربة أردوغان، هو: تقزيم العالم الإسلامي واختصاره في تركيا، وهذا يعني أن الدولة الوطنية عند عبد الناصر كانت بداية عودة للأمة، وأن تركيا الراهنة هي محاولة لميراث خلافة السلطنة العثمانية، التي أنهاها الأتراك أنفسهم.. ولكل منهما من فعله نصيب سجله التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر − إحدى عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى