
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
السيد مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالشؤون القانونية والقضائية،
السيدة ممثلة السيد رئيس المحكمة الدستورية،
السيد الرئيس الأول للمحكمة العليا،
السيد رئيس محكمة التنازع،
السيد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان،
السيد الأمين العام للحكومة،
السادة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء،
السادة ممثلو الأجهزة الأمنية،
السيدات والسادة القضاة،
السادة ممثلو أسرة الدفاع والتوثيق والمحضرين القضائيين،
أسرة الإعلام،
الحضور الكريم كلّ باسمه وصفته،
** السّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته **
يُسعدني في البداية أنْ أُرحّب بالسيّدات والسّادة الحضور في هذه الجلسة الاحتفائية المخصّصة لتنصيب السيّد محمد بن ناصر رئيساً لمجلس الدولة والسيّد عبد الغفور كحول محافظاً للدولة لدى مجلس الدولة بعد أنْ حظيا بثقة السيد رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، لتولّي هذه المسؤولية في أعلى هيئة في القضاء الإداري.
إنّ هذا التعيين، يأتي بعد الحركة الجزئية التي مسّت سلك رؤساء المجالس القضائية والنواب العامين لدى المجالس شهر أوت المنصرم، والتي تهدف لإعطاء دفع جديد للعمل القضائي وتحسين أساليب التسيير بما يرقى لتطلعات المواطنين.
السيّدات الفضليات، السّادة الأفاضل،
إنّ تأسيس مجلس الدولة كهيئة قضائية مقوّمة لعمل الهيئات القضائية الإدارية جاء بموجب المادة 152 من دستور سنة 1996، الذي تبنّت من خلاله بلادنا نظام ازدواجية القضاء.
كما يؤدي دورا استشاريا من خلال إبداء الرأي للحكومة حول مشاريع النصوص القانونية قبل عرضها على مجلس الوزراء.
وبهذا يكون المؤسّس الدستوري قد منح لمجلس الدولة مكانةً خاصة في النظام المؤسساتي وجعل منه هيئة قضائية عليا في النظام القضائي الجزائري، تساهمُ في حماية الحقوق والحريات و في إثراء المنظومة القانونية وتدعيم أسس دولة القانون .
وقد تعزز دور المجلس بموجب التعديل الدستوري لسنة 2020 الذي كرّس مبدأ التقاضي على درجتين في المادة الإدارية من خلال إنشاء المحاكم الإدارية للاستئناف، وهو ما يسمح له بالتفرغ لأداء دوره الرئيسي في توحيد الاجتهاد القضائي الإداري على المستوى الوطني.
والأكيد أن هذا الهدف يتجسد أكثر باستمرار الجهود الرامية لنشر قرارات هذه الهيئة القضائية على أوسع نطاق لاسيما بالوسائل الرقمية، خاصة تلك القرارات الفاصلة في مسائل ذات أهمية وكانت محل نقاش قانوني وفقهي، وهو ما سيسمح بتحقيق الحق الدستوري في وصول المواطن إلى المعلومة القضائية وفي تمكين الباحثين المتخصصين في المادة الإدارية من التحليل والاقتراح.
السيّدات والسّادة، الحضور الكريم،
لقد اقتضى التعديل الدستوري تكييف النصوص القانونية مع المبادئ التي كرّسها في مجال القضاء الإداري. وفي هذا الإطار، تمّ تعديل وتتميم القانون العضوي رقم 98-01 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق بتنظيم مجلس الدولة وسيره واختصاصاته بموجب القانون العضوي رقم 22-11 المؤرخ في 9 جوان 2022.
وقد كرس هذا التعديل اختصاص مجلس الدولة بالفصل في الطعون بالنقض في الأحكام والقرارات الصادرة نهائياً عن الجهات القضائية الإدارية واختصاصه بالفصل في استئناف القرارات الصادرة عن المحكمة الإدارية للاستئناف لمدينة الجزائر في دعاوى إلغاء وتفسير وتقدير مشروعية القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية.
غير أنه إذا كان التكريس الدستوري لمبدأ التقاضي على درجتين في المواد الإدارية والموضوع حيز التنفيذ بمقتضى هذا القانون العضوي، يُشكل قفزةً نوعية في عمل القضاء الإداري عموما وعمل مجلس الدولة خصوصا، فإن هذا النص أوكل للمجلس مهمة أخرى تتمثل في تكليفه بإعداد تقرير سنوي يرفعه إلى السيد رئيس الجمهورية، يتضمن على سبيل الخصوص الاختلالات والنقائص المسجـــــــــــــــــــلة من جانب الإدارة خلال فصل القضـــــــــــــــــــــــــــــــاء في مختلف المنازعات الإدارية حتى يتسنى للسيد الرئيس اتخاذ الإجراءات الكفيلة لتدارك هذه النقائص.
وعند إعداد هذا التقرير ينهل مجلس الدولة من روافد متنوعة بما يُبرز تنوع الإشكالات وثراء الاقتراحات، خاصة من التقارير التي يرفعها رؤساء المحاكم الإدارية للاستئناف حول صعوبات التنفيذ ومختلف الإشكالات المعاينة واقتراح الحلول الملائمة لها، مرفقة بتقارير المحاكم الإدارية التابعة لاختصاصهم الإقليمي.
وقد تكون الإشكالات المطروحة مرتبطة بالأحكام التشريعية والتنظيمية، كما قد تكون متعلقة بالتَباين في تفسيرها بين الجهات القضائية أو بنقص في تكوين الفاعلين في بعض المنازعات الإدارية مثل المنازعات الضريبية والمنازعات العقارية ومنازعات الصفقات العمومية.
كما قد تكون هذه الإشكالات مرتبطة بالإدارة في حد ذاتها كعدم التكفل المناسب بمنازعاتها أو عدم متابعتها بالشكل المطلوب، مثلما أثبته تقرير سابق معدّ من طرف مجلس الدولة بالتعاون مع مركز البحوث القانونية والقضائية.
وإنّ رفع الإشكالات المذكورة وغيرها إلى علم السيّد رئيس الجمهورية هو عامل حاسم في استدراك النقائص الـمُلاحَظَة والقضاء على مظاهر الإهمال من جانب ممثلي أشخاص القانون العام التي تأخذ أحياناً شكل سوء التسيير أو البيروقراطية الـمُنفِّرة غير المبررة، وهو ما تسعى الدولة لمحاربته بكل قوة وبشتى الوسائل.
السيدات والسادة،
الحضور الكريم،
أما فيما يتعلق بالدور الاستشاري، فإن مجلس الدولة يؤدي دورا كبيرا في تحسين نوعية مشاريع النصوص القانونية التي تعرض عليه لإبداء رأيه فيها.
فإخطاره وجوبي بشأن مشاريع الأوامر والقوانين العادية والعضوية بعد المصادقة عليها في اجتماع الحكومة، وبذلك فهو يساهم بشكل مباشر في تحقيق مبدأ الأمن القانوني المكرس في الدستور، والذي يلزم الدولة عند وضع التشريع المتعلق بالحقوق والحريات على ضمان الوصول إليه ووضوحه واستقراره.
إن المكانة التي يتمتع بها مجلس الدولة تجعل الاهتمام بتعزيز قدرات تسييره ضروري، وفي هذا الإطار، جاء تعيين السيّد محمد بن ناصر رئيسا لمجلس الدولة والسيّد عبد الغفور كحول محافظا للدولة دليلا على هذا الاهتمام، وهو ما يسمح بإعطاء نَفَس جديد للمجلس، خدمةً لمصلحة المتقاضين في عدالة ذات نوعيّة.
فالسيّد محمد بن ناصر، الذي شغل وظائف محافظ الدولة بمجلس الدولة منذ سنة 2001، هو خريج جامعة وهران، ومارس عدّة وظائف قضائية بالمحاكم والمجالس القضائية والمحكمة العليا منذ ما يزيد عن 40 سنة، اكتسب من خلالها خبرة وتجربة كبيرة في الميدان القضائي، وهو من القضاة المتخصصين في المنازعات الإدارية، فضلاً عن ثقافته الحقوقية الممتدة إلى مختلف تفرعات القانون.
أما السيّد عبد الغفور كحول، خريج المدرسة الوطنية للإدارة فقد تدرج في مختلف الوظائف القضائية لغاية التحاقه سنة 2014 بمجلس الدولة أين شغل وظائف محافظ الدولة مساعد، واكتسب من خلالها الخبرة والدراية في القضاء الإداري، ما جعله جديرا بالتعيين في هذا المنصب.
وبهذه المناسبة أهنئهما على الثقة التي حظيا بها من طرف السيد رئيس الجمهورية لتولي هذه المسؤولية الثقيلة في أعلى مستوى من هرم القضاء الإداري، متمنيا لهما النجاح والتوفيق في مهامهما الجديدة.
كما لا يفوتني أن أتوجه بخالص التقدير والشكر للرئيسة السابقة السيدة فريدة بن يحي، التي أحيلت على التقاعد، على ما بذلته من جهود سواء على رأس هذا المجلس الموقر أو بصفتها قاضية عملت في عدة جهات قضائية، متمنيا لها موفور الصحة والهناء والتوفيق في حياتها.
أجدد شكري لجميع الحضور.
شكرا على كرم الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.