آخر الأخبار
بوتين يوافق على تطوير تطبيق مراسلة حكومي بديلا عن واتساب وتيليغرام ترامب: "لا أرغب برؤية تغيير النظام في إيران" "أكسيوس": منع موظفي مجلس النواب الأمريكي من استخدام "واتساب" بزشكيان يهاتف أمير قطر رئيس وزراء إيطاليا السابق: ترامب ارتكب خطأ تاريخيا بضرب المنشآت النووية الإيرانية الجزائر تستنكر و تندد رئيس الجمهورية يشرف بقصر المعارض على افتتاح الطبعة الـ 56 لمعرض الجزائر الدولي رئيس الجمهورية يترأس اجتماع عمل لوضع اللمسات الأخيرة لمرسوم تنفيذي خاص بصغار المستوردين أحمد عطاف يجري محادثات ثنائية مع وزير الخارجية لجمهورية بنغلادش الشعبية محمد توحيد حسين أحمد عطاف يعقد لقاءً ثنائيا مع وزير الخارجية والمغتربين للجمهورية العربية السورية، السيد أسعد حسن ال... أحمد عطاف يجري لقاءً ثنائيا مع وزير الخارجية وشؤون المغتربين للجمهورية اليمنية شائع محسن الزنداني أحمد عطاف يعقد لقاءً ثنائيا مع وزير الشؤون الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، السيّد عباس عراقج... السيد عطاف يجري بإسطنبول لقاء ثنائيا مع نظيره الأذربيجاني عطاف يجري بإسطنبول محادثات ثنائية مع نظيره الموريتاني عطاف يجري بإسطنبول محادثات ثنائية مع نظيره المصري ترامب يعلن شن غارات جوية على 3 مواقع نووية في إيران أحمد عطاف يشارك في الجلسة الافتتاحية للدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلا... أحمد عطاف يحل بإسطنبول للمُشاركة في أشغال الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون ا... هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في السعودية تحذر! الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحذر من استهداف المنشآت النووية في إيران
أحجار الوادي

الجزائر ـ المغرب.. ذاكرة نظامين

خالد عمر بن ققه
” حين يصل مجرى الوادي إلى نهايته، وتبلغ حملته ـ غير السياسيّة ـ ذروتها، ويتَّخذ طريقه القدري في تكرار شبه أبدي في مرحلة ما بعد الغدير وصوته، نحو عودة تنتهي إلى تكريس البداية حين كان خالياً إلا من أحجاره، تكون هذه الأخيرة هي الثابت الوحيد، وعلى مِثْلها يمكن أن نقيس ثوابت الجغرافيا، وحوادث التاريخ، ومنظومة القيم، وعمق الإيمان، وعلاقات البشر، ومستقبل الدول، ودور القادة، ومصير الشعوب، وحركة الزمن، ومسار الحياة.. هنا في هذه المقال كثير أو قليل من هذا وذاك”
أجد نفسي في حيرة، تحملها دهشة لما يجري بين الجزائر والمغرب اليوم، إذْ من الصعب في لعبة الأمم أن تكون دولة ما في الحاضر وهي تعيش بعقلية زمن ولّى، في حالة تتجاوز الغيبوبة إلى الموت التدريجي، حيث خروج روح الوطن من فضاء الجغرافيا في رحلة بحث غير واعية لحلول خارجية منتظرة، معتقد أنها ستكون جارة لدول أخرى بعيدة خارج قارتنا.
هنا نتساءل: هل ما يقع اليوم من اختلافات أو تجاذبات بين المملكة المغربيّة والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية هو ثقب في ذاكرتي النظامين، حين تناسيا ما حققاه من رشد لفترة قاربت 46 سنة، أي منذ بدأت تحرُّر الصحراء الغربية ـ السّاقية الحمراء ووادي الذهب ـ وما تبعها من رد فعل مغربي عبر” المسيرة الخضراء” التي شارك فيها 350 ألف مواطن مغربي”؟
لا شك أن هذا السؤال سيُحِيلُنا إلى الشعبين ـ الجزائري والمغربي ـ من حيث التعويل عليهما في تثبيت علاقة ذات حب دائم، لا تلقي به عواصف السياسية بعيدا، والواقع أنهما أثبتا ذلك في كل المراحل الكبرى، بما فيها الأزمات المفتعلة بحرب دموية في بداية ميلاد الدولة الجزائرية، وعلى خلاف قام وقتها بين قادتها التاريخيين، حيث غنيمة الوطن كانت لدى البعض منهم أكبر من جزاء الجهاد، لذلك فلن تؤثر عليهما اليوم سحابة عابرة، لا أحسب أنها ستكون مطر سوء في منطقتنا المغاربية، أو هكذا أتمنى، وهذا على عكس من يشعلون اليوم حرب إعلامية ـ على مواقع التواصل الاجتماعي ـ هي إلى الفتنة أقرب، تُمَهِّد لما يعتقدون أنه انتصار، لأن الواقع ومهما كانت سواده وخلافاته أفضل لنا وللمغاربة من دفعنا ـ سويّاً ـ نحو الانهيار لصالح قوى دولية تبدأ من أعداء الأمس، ولا تنتهي عند العدو الإسرائيلي.
محمد الخامس.. وبومدين
لا يقبل إذن من أي عاقل ـ ليس في الجزائر والمغرب فقط، بل في المنطقة كلها ــ أن يسود الخلاف بين الجارتين الكبيرتين، وأن يبلغ ذروته، على خلفية ما طرحه المغرب عبر ممثله الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة السفير عمر هلال من دعوة إلى إعطاء الجزائر منطقة القبائل حق تقرير المصير، وأولئك الذين يدعون جهاراً لقطع العلاقات بين البلدين في الدولتين عليهم أن يعيدوا النظر فيما تسّول لهم أنفسهم، أوّلاً، لأن هذا أمر سيادي يخص أعلى سلطة في الدولتين، وثانياً: ما الذي ستحققه الدولتان مستقبلا؟، وثالثا: على فرض تمَّ ذلك.. متى يا ترى سينتهي أجله؟.. ولصالح من؟
في هذا السياق تحضرني شهادة أوردها الراحل الملك الحسن الثاني، رحمه الله، في حواره مع الصحفي الفرنسي” إيريك لوران” جاء في كتاب” ذاكرة ملك.. الحسن الثاني” عن موقف والده الملك محمد السادس من العلاقة بفرنسا دبلوماسيّاً بعد اختطاف طائرة زعماء الثورة الجزائرية، فقد قال جلالته:” في الاجتماع الوزاري الذي حضره الملك محمد الخامس طالب خلاله الوزراء الحاضرون بقطع العلاقات مع فرنسا واستدعاء السفيرين، أجابهم والدي بقوله:” طيّب، إذا قطعنا العلاقات ألا يتعين علينا استئنافها في يوم من الأيام”، فأعترف الجميع بوجاهة رأي والدي الذي زاد فقال:” إذا كنا سنستأنف هذه العلاقات فلِمَ نقطعها؟.. أيها السادة دلُّوني على حل وسط”.
على خلفيّة الرأي السابق، وحكمته، مطلوب من عناصر النخبة في البلدين أن تكون مساعدة على صياغة حلول حاملة للتقارب، وليس التباعد، صحيح أن الأمر ـ كما ذكرت سابقاً ــ يخص السلطتين في البلدين، لكن نفضل أن تغطى المحبة هنا على الكراهية، ثم أن ما يحدث بين البلدين لا يحتاج مزيدا من اذكاء النار في الهشيم، وهنا لابد أن نسترجع المشترك بيننا أيام الكفاح ضد الاستعمار، على النوع الذي ذهب إليه الزعيم الراحل” هواري بومدين” رحمه الله، حين قال في آخر رسالة وجهّها لجلالة الملك الحسن الثاني قبل وفاته، ومنها قوله متحدثا عن اتفاقية 1972:” .. لا نزاع في أن صفحة من هذا التاريخ قد كتبت بهذا الاتفاق، مكرسين بذلك حرمة الحدود الموروثة لدى استرجاع استقلالنا، ومجنّبين شعبينا سواء لهذا الجيل أو ما يعقبه من أجيال شر ما يمكن أن يحدث من حالات سوء التفاهم أو التوترات، بل والمآسي الممكن حدوثها على الدوام والتي لا يمكن أن نقدر عواقبها الوخيمة، فمن وراء المودة الصادقة التي صنعتها رفقة في الكفاح وأخوة في السلاح كانت العلاقات القائمة بين شعبينا والروابط الشخصية مع جلالتكم، تزيدها قوة ومتانة تلك الثقة المتبادلة كذلك، والصدق الذي لا تشوبه شائبة، والصراحة التي لا تخالطها مجاملة، بل وكل شيءٍ يستبعد إلا الالتباس والرياء والمداهنة”.
زحام الجارتين
القول السابق للزعيم هواري بومدين هو ما تنتهجه الجزائر اليوم، لجهة المصداقية التي ورثتها من بومدين، والذي كان محبا للمغرب، بشهادة الحسن الثاني نفسه، كما جاء في قوله:” كانت نظرة بومدين للعلاقات الجزائرية ـ المغربية واقعيّة تماما، كان يقول باستمرار: أريد مغربا مستقرا مزدهرا، إلا أنه كان يتجاهل أن يزيد على ذلك: شريطة ألا يزاحم الجزائر.. لم أكن أسعى لمزاحمة الجزائر، ولكنني لم أكن أقبل أن تزاحمني، إنني أريد أن يقوم بيننا تعاون خصوصا بين جنوب المغرب والجزائر”.
السؤال هنا: هل فعلا الجزائر تزاحم المغرب؟.. كل الدلائل والمعطيات تشير إلى أنه لا زحام من الجزائر ـ على الأقل ـ لأنها من ناحية المنافع المادية لا تحتاج المغرب في شيء، والتعاون الاقتصادي ليس قضيتها ـ مع أنه مطلوب ـ إنما تبحث بل وتسعى جاهدة لعلاقة مع جار لا يطعن فيها، ويعلن مواقفه بكل وضوح، وإذا حقَّ لنا القول أن هناك اختلافا ما بين المغرب والجزائر، فهو كان وسيبقى مجرد تنافس لأنه لا يمكن أن يتحول إلى صراع، أو حرب كما تريد بعض الأطراف الداخلية في البلدين مدعومة من الخارج، وأيضا بعض القوى الدولية، ليس فقط لرُشْد حكام البلدين، أو هكذا نظن فيهما، وإنما لأننا ـ مغاربة وجزائريون ـ تعلمنا من درس التاريخ، حين ذهبنا إلى ما هو أبعد من الحوار منذ 58 سنة خلت، عندما أجبرنا على حرب ظالمة، والدم الجزائري لم يجف بعد من ويلات حرب ضروس أحْييت مليون ونصف المليون شهيد، وخلّفت ملايين اليتامى والأرامل، رأيناها ظلما من إخواننا المغاربة لأنها قطعت الأوصر، وهدَّمت بناء التاريخ، وشككت في ترسيم الجغرافيا عبر الحدود المشتركة، ورى فيها إخواننا المغاربة استرجاع حق، لكنها هي في حقيقتها ظلت نذر حرب قائمة إلى الآن.
لكن على فرض أن هناك زحام بين الدولتين من أجل القيادة أو الزعامة أو الحصول على مزيد من المجال الحيوي، هل يعطي هذا الحق للمغرب في أن تشكك في وحدة الجزائر، وتتولى الدعوة إلى مطالب واهية، مما سيؤدي إلى تصادم بين إرادتين، سيكون مكلفا لأننا جيران، وإخوة، ليس في الدين فقط واللغة، ولكن في الدم أيضاً؟
باختصار أننا لا نملك أن نغير الجغرافيا، وتلك قناعة لم يتنبه إليها الملك محمد السادس، مع أنه لو ذهب لاستنجاد برأي والده الحسن الثاني لكان اليوم في معزل عن الحملة الراهنة، التي ستصل به إلى مخاطر أقلها تحريك قوى المعارضة الكامنة في الداخل، ومنها بوجه خاص الأمازيغيين، الذين لهم ثأر قديم ضد الملكيّة في المغرب.
ميلاد جريمة
على جلالة الملك محمد السادس أن يعي أن محاولة تغيير الجغرافيا غير ممكنة، ولاشك أنه يعي، لكن ربما أخذته” عزة تثبيت الحكم بشطط وسفاهة مستشاريه”.. عليه إذن العودة إلى قناعة والده جلاله الملك الحسن الثاني، كما جاءت في قوله:” ليس بإمكاني تغيير موقع كل من المغرب أو الجزائر، ويجب أن يتذكر المغاربة والجزائريون دائما أنهم لن يقدروا على تغيير موقع بلديهم”
كما عليه أيضا أن يدرك أنه بإثارة خلاف مصطنع من الجزائر، يُفنِّد رأي والده الراحل، الذي قال ذات يوم:”.. ليس من مصلحتي أن أترك مكتبي يعج بالملفات والمشاكل، وإذا كان البعض في أنظمة أخرى يسعدهم ترك المشاكل والملفات لمن سيخلفهم، فذلك بالنسبة لي يعتبر جريمة في حق ابني، وعليه فإني أحاول تسوية أكبر قدر ممكن منها”.. اليوم يبدو أن الملك محمد السادس يقول لوالده غيابا:” لقد كنت مجرما في حقي”، وإذا لم يكن هذا القول صحيحاً، فمن يكن المجرم يا ترى؟
في واقع الأمر أن الجريمة بدأت منذ أن قرّر الملك الحسن الثاني، بعد المحاولات الانقلابية الفاشلة أن يُلْهي جيشه ويضعه في حالة تأهب من أجل ما يسميه الوحدة الترابية، خاصة بعد أن أبلى الجيش المغربي بلاء حسنا على الجبهة السورية في حرب أكتوبر1973، فمن ذلك التاريخ تعمق الخوف والحذر لدى الحسن الثاني من جيشه، وفي المغرب يدركون أن الجيش الجزائري مؤسسة حامية للدولة، لهذا يركزون الحملة ضده هذه الأيام، كما حدث ذلك منهم خلال العشرية الدموية في بلادنا، ففي الوقت الذي كانت فيه الجزائر تعمل على تطويق الإرهاب داخلها، وتحاول أن تمنع وصوله إلى دول الجوار، كانت عناصر إرهابية تسلل من دول الجوار بعلمها وأحيانا بموافقتها، لكن حماية للأمن المَغَارِبٍي لم تعلن الجزائر عن ذلك وقتها، مع أنها ألقت القبض على العديد من تلك العناصر.
خطأ استراتيجي
لا شك أن المملكة المغربية ومن خلال ما روَّجت له في اجتماع دول عدم الانحياز الأسبوع الماضي، قد بدأت” معركة الانطلاق”، مُتَبِعة سياسة الهجوم بدل الدفاع، وتعتقد أنها حققت نصرا دبلوماسياًّ، لكنه مجرد تكتيكي وليس استراتيجيّاً، وهي بذلك وقعت في خطأ قاتل حين اقتربت من الجبهة الداخلية الجزائرية، ولم تأخذ العبرة من الدور البطولي لـ”محند ولد الحاج”، الذي كان معارضا للرئيس أحمد بن بله، وحين اندلعت حرب الرمال، ترك الصراع الداخلي، وتوجه للدفاع عن الجزائر، والمغرب في ذلك تشبه ما يعتقده بعض السياسيين الجزائريين من أن الجبهة الداخلية تتطلب التجاوز على أخطاء قاتلة يقوم به دعاة الانفصال، سواء من خلال رفع راية أخرى غير العلم الوطني، أو عدم الاصغاء للنشيد الوطني، مع أن هذا كان يتطلب من الدولة ممارسة” العنف المبرر”.. ما يقوم به المسؤولون في بلادنا أيضا خطأ استراتيجيّاً، كلفنا اليوم خطابا مغربيّا، وغدا ـ إن لم نسارع إلى الحسم ـ سينتهي بنا على تدخل خارجي، قد يكون عسكريّا على غرار ما يحدث في دول الجوار، وفي دول عربية أخرى.
ما يعرفه المغرب، ويتعامى عنه أن الأمازيغ ومنهم” القبايل بوجه خاص” في الجزائر، هم قادتها، وهم وطنيون حتى النخاع، أثبتوا ولاءهم ودفاعهم عن الوطن في كل مراحل تاريخه وهم حماة العربية والإسلام، وهم موزعون على كل التراب الوطني.. فهل المملكة المغربية قادرةً على أن تكون مثل الجزائر وتعطي للأمازيغ حقوقهم؟
المغرب بلا ريب ستدفع ثمن دعوتها الخاطئة من الداخل، ناهيك على أنها اليوم تشكِّل خطراً على وحدتها الترابية، وعلى وحدة أراضي تونس وليبيا ومصر، وفي جميع هذه الدول يوجد أمازيغ، وستكشف لها الأيام المقبلة أي منقلب ستنقلب إليه.
الضًّالون في الكهف
بعد هذا كله، يقضُّ مضجع كل المغاربيّين سؤال فحواه: ما هو لب الخلاف بين الجزائر والمغرب، بعيداً عن استحضار المسألة الصحراوية من حيث الصراع بين الأطماع والمبادئ؟
“السؤال السابق يُحيلنا إلى الحديث عن مسألة في غاية الأهمية، وهي: أن الدول في سياقها التاريخي من حيث كينونتها ووجودها بالمعنييْن الجغرافي والسيادي من ناحية، وبعدها الزمني من ناحية ثانية سواء أكانت بنت الحاضر كما هي الحال بالنسبة للجزائر، أو بنت الماضي كما هو الأمر بالنسبة للمملكة المغربية، تحددها ثلاث أمور أولها: ما تم الاتفاق عليه دوليا عام 1648، فيما يعرف بصلحُ ـ أو سلام ـ وستڤاليا” باعتبارها أولَ اتفاقيّةٍ دبلوماسيّةٍ في العصرِ الحديثِ، وثانيها: التحرك ضمن واقع سيادي وجغرافي وجيوبولتيكي فرضه الاستعمار ثم تركه بعد خروجه أو هزيمته، وثالثا: الاحتكام للمنظمات الدولية الإقليمية، مثلما هي منظمة الوحدة الأفريقية، التي فرت منها المغرب، ثم عادت إليها.
لكن من الواضح أن إخواننا في المغرب لا يحتكمون إلاَّ لفكرة راسخة في أذهان بعض من قادتهم الفاعلين، وهم جزء من منظومة الحكم أو قريبة منه.. الفكرة أساسها: أن الجزائر ـ شعبا وحكومة ــ لا تزال تعيش” مرحلة أهل الكهف”، ولكن ليس بالمعنى الإيماني، كما نبَّأنا القرآن عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وإنما بمعنى” الشعب الضّال”، الذي لا يجد طريق النور والفلاح إلا حين يَحْكم النظام الملكي، نظام أمير المؤمنين ـ فيما شجر بين أفراده، أو بينه وبين حكومته، ثم يسلم بحكمه وأمره تسليماً.
ذلك هو ذلك ظنّ الحكام المغاربة في المستقبل وأملهم فيه، وهو شأن لا يخص ممن هم في الحكم فقط سادة وأتباعا، وإنما حتى، الإسلاميين في المغرب التي يفترض فيهم أن يستحضرون الله في أفعالهم.
الجزائر في بيت بن كيران
هنا نسترشد بحديث دار في بيت الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي السابق، ورئيس الحكومة المغربية السابق” عبد الإله بن كيران” ( للفترة 29 نوفمبر 2011 – 5 أبريل 2017)، والذي ترأس الحكومة لمرتين، فخلال مأدبة عشاء أقامها على هامش” مؤتمر شبيبة حزب العدالة والتنمية” في يوليو ـ جويلية 2011، أي قبل أن يصبح رئيساً للحكومة، وحضرها بعض من قيادات الإخوان المسلمين، منهم الإخواني الليبي” جمعة القماطي” ـ الذي أصبح المبعوث الشخصي لرئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية إلى دول المغرب العربي بعد ذلك ، والإخواني التونسي” راشد الغنوشي”، رئيس البرلمان في الوقت الحالي، والإخواني المصري” صبحي صالح” المسجون حاليا، وغيرهم، دار النقاش حول الجزائر، وما تشكله من خطر من خلال موقفها المؤيد لحركة البوليزايو وحق الصحراويين في تقرير مصيرهم.
كان واضحاً في النقاش، أن الحديث ينبثق من فكرة الدولة بالمعنى التاريخي القديم، وهو ما تمثله المغرب من حيث كونها ثابتة في وجودها وجغرافيتها منذ قرون ولا تزال، وبالتأكيد، وحسب الوثائق لم تكن من ضمنها الصحراء الغربيَّة، لكن ذلك النقاش لم يطرح بالمقابل مسألة الدولة بالمعنى القيمي تاريخيّاً، أو في مرحلة” ما بعد الحداثة” وجوديّاً، كونها تمثل واقعاً جديداً على المستوى الدولي وهو نجد عليه الجزائر اليوم.
وذلك النقاش الدائر وقتها حسم في أمره الدكتور والمفكر المصري” نصر محمد عرف” ـ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ـ حين سئل عن رأيه من ابن كيران بالقول:” أن تاريخية الدولة المغربيّة لجهة الاعتراف والوجود، هي مثل الدولة المصرية من حيث الثبات، وهناك دولة ثالثة، هي تونس، بحيث يمكن اعتبارها نظراً لمدها وجزرها، ” نصف دولة” من الناحية التاريخية، وهذا حديث التاريخ، أما حديث الحاضر، فينظر للدول من خلال ثلاث شروط أساسية، أولها: شرعية الدولة من حيث عصريتها وحداثتها، ومدى تجاوبها مع القوانين والمعاهدات الدولية، وثانيها: شرعية النظام، وثالثها: شرعية الحكم”.. وتلك الشروط متوفرة جميعها في الجزائر، مما يدحض أي دعوة أو حتى نقاش على وجود جماعة ما تحت أي مسمى تسعى لتقرير المصير.
رثاء الدبلوماسية العلنيّة
مشكلتنا مع المملكة المغربية ليست فقط خلافاً حول التوجهات السياسية، وإنما هي في الوعي بالدور، وفي رفضها ـ شبه المطلق أن تكون ـ في وجودها الجغرافي ــ محاذية لنا، بل إنها تعوّل على دول من خارج المنطقة تكون داعمة لها سواء من بعض الدول العربية، أو دول أخرى بعيدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فمثلا اعتبرت ما قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من تأييد لمغربيَّة الصحراء ــ وهو مجرد خطاب استهلاكي، لمزيد من توطيد العلاقة مع إسرائيل ــ نصرا مؤزرا، مع أنها على دراية بأن الجنّ والإنس لو كان بعضهم ظهيرا داعمين لها ما حلت مشكلة الصحراء إلا بالوصول إلى استفتاء مباشر من سكان الجمهورية الصحراوية.
إن البحث عن حل لمشكلة الصحراء الغربية لا ولن يتم بافتعال مشكلات مع الجزائر من خلال الدفع بمسار الأحداث نحو الهاوية، من خلال ما يمكن اعتباره” الدبلوماسية العلنيّة” على النحو الذي ذهب إليه الرئيس هواري بومدين في رسالته، التي سبق الحديث عنها حين قال موجها خطابه لجلالة الملك الحسن الثاني:” يا صاحب الجلالة.. تسمحون لي يقيناً بأن أرثي هنا للدبلوماسية العلنية التي تبدو وكأنها اليوم قد طغت على الدبلوماسية التقليدية، وها أنا ذا أجد نفسي مضطراً للجوء إليها بدوري، ولقد كنت أود كذلك تماماً كما تمنيتموه أن أستأنف الاتصال بكم، وما من شكّ في أن الحوار المباشر كان من الممكن أن يكون أفضل، ولكن هل يمكن تصور مثل هذا الحوار بعد المواقف التي اتّخذها كل منّا مؤخراً بشأن القضية الفلسطينية وامتداداتها على الشرق الأوسط والأمة العربية؟”
هذا السؤال الجزائري المطروح منذ 1978 سيظل قائما، وهو اليوم يتطلب إجابة صادقة من المغرب، الذين ندين له بالفضل هذه المرة في تجميع الجزائريين جميعهم على قلب رجل واحد، وبالمقابل فتح على نفسه معركة طويلة المدى، أحسب أنها ستعمّر لسنين، ليست عسكرية ولا هي اقتصادية، وإنما تخصُّ نقل عدوى الحرية إلى المغرب.. معركة هي لصالح الشعب المغربي، ولكنها لن تكون أبدا لصالح النظام القائم.. أتكون تطورات الأحداث الجارية بداية النهاية؟.. ومن سينتهي اوّلاَ؟.. دَعُونا نرى ما تسفر عليه السنوات المقبلة، أما الأسابيع، والشهور القليلة القريبة فإنها حُبْلى بمواقف لم تكن في حساب أحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى