كاليفورنيا ..عندما تتقاطع السياسة بالانسانية

في أقصى غرب الولايات المتحدة، تقف كاليفورنيا كنموذج فريد لا يكتفي بأن يكون مختبرًا للسياسات التقدمية، بل يتحول إلى ساحة تتقاطع فيها السياسة بالإنسانية. إنها ولاية تكسر النمط، وتعيد تعريف العلاقة بين السلطة والمواطن، بين القانون والرحمة.
لكن ما يميز كاليفورنيا ليس فقط قراراتها الداخلية، بل قدرتها على إلهام النماذج السياسية عالميًا. فهي تُجسِّد ما يمكن أن تكون عليه السياسة عندما تعتني بالهامشيين، بالمهمَّشين، بالمنسيين.
ففي زمنٍ كانت فيه الحكومة الفيدرالية تتشدد ضد المهاجرين، اختارت كاليفورنيا أن تكون “ولاية ملاذ”، مانحة المهاجرين غير النظاميين حقوقًا إنسانية أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، ومعلنة أن كرامة الإنسان لا تُحدَّد بوثائق.
هذا النموذج يجد صداه خارج حدود الولايات المتحدة. في برشلونة الإسبانية، تبنّت العمدة السابقة “آدا كولاو” سياسة استقبال المهاجرين واللاجئين، وحوّلت المدينة إلى نموذج أورومتوسطي إنساني يتحدى السياسات الأوروبية المتشددة. وفي كندا، يقدم رئيس الوزراء جاستن ترودو نسخة سياسية أكثر احتضانًا للآخر، حين استقبل آلاف اللاجئين السوريين في مشهد يحمل دلالة سياسية وإنسانية معًا.
ورغم إشراقات هذا النموذج، إلا أن كاليفورنيا لا تخلو من التناقضات: فهي أغنى ولاية أمريكية من حيث الناتج المحلي، ومع ذلك تضم أعلى نسبة من المشرّدين. هنا أيضًا يظهر تقاطع السياسة بالإنسانية، لكنه تقاطع مأزوم أحيانًا. فماذا يعني أن تطالب بحقوق اللاجئ ولا تستطيع حماية من ينام على رصيف سان فرانسيسكو؟
يطرح نموذج كاليفورنيا سؤالًا أكبر: هل يمكن أن تصبح “السياسة الرحيمة” تيارًا عالميًا، أم أنها تبقى استثناءً محصورًا في مدن ليبرالية؟ وهل نحن أمام بداية تحول سياسي عالمي يعيد الاعتبار للإنسان، أم أن القوى الشعبوية والتقشفية ستنتصر في النهاية؟
ما تؤكده التجربة هو أن السياسة ليست مجرد إدارة مصالح، بل موقف أخلاقي. وكاليفورنيا، رغم تناقضاتها، تذكّرنا أن الإنسانية يمكن أن تكون بوصلتنا، إذا ما امتلكنا الشجاعة الكافية لاتخاذ قرارات غير شعبوية… لكنها عادلة.