اليوم الوطني للصحافة… بين التحديات والآمال

بقلم : جمال بن علي
يحلّ اليوم الوطني للصحافة في الجزائر هذا العام وسط تحولات عميقة يعيشها المشهد الإعلامي، وتحديات متزايدة تواجه المهنة في زمن السرعة الرقمية وتراجع القيم المهنية. إنه يوم للتأمل في مسار الصحافة الجزائرية، واستحضار رموزها وتضحيات روادها الذين جعلوا من الكلمة موقفًا ومن الحقيقة عقيدة. سواء في القطاع الخاص أو العمومي
لكن هذا اليوم لا يمكن أن يمرّ دون أن نولي بصرنا نحو غزة الجريحة، حيث تُسفك دماء الصحفيين الفلسطينيين تحت القصف الصهيوني الغادر. هناك، الصحافة ليست مهنة بل مقاومة، وليست وسيلة بل شهادة. عدساتهم توثق الحقيقة وسط الركام، وأقلامهم تكتب من قلب الموت. لقد تحوّل الاحتلال إلى جلادٍ للحقيقة، يستهدف من يحمل الكاميرا كما يستهدف من يحمل البندقية، في مشهد يلخّص سقوط الضمير الإنساني العالمي أمام جبروت الكيان المحتل.
وفي الجزائر، التي حملت في ذاكرتها الإعلامية إرثًا ثوريًا ناصعًا، تواجه الصحافة الوطنية بدورها تحديات مهنية ورقمية تفرض إعادة التفكير في مضمون الرسالة الإعلامية ودور الصحفي في عصر المنصات المفتوحة.
لقد فرض التحول نحو الإعلام الرقمي واقعًا جديدًا، حافلاً بالفرص والمخاطر في آن واحد. فبين الانفتاح على جمهور أوسع، والانجراف نحو الاستسهال والسطحية، تقف الصحافة الجزائرية أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تتكيّف دون أن تفقد مصداقيتها، أو أن تذوب وسط فوضى صناع المحتوى وصحافة السلفي وموجة “اللا إعلام”.
والمؤسف أن هذا التحول الرقمي جاء مصحوبًا بغياب شبه كامل لصحافة الرأي وكتاب الأعمدة، أولئك الذين كانوا يوجّهون النقاش العام ويمنحون الصحافة عمقها الفكري والإنساني.
لقد تراجع صوت التحليل والنقد البنّاء، وغابت المقالة الافتتاحية الجريئة التي تصوغ الموقف وتعبّر عن نبض المجتمع. الصحافة فقدت جزءًا من روحها حين غابت الأقلام الكبيرة ،كبار القوم في المهنة الأسماء اللامعة التي صنعت مجد الصحافة الجزائرية التي كانت تشعل الوعي وتفتح العقول. وتؤثر في الرأي العام بل و تصنعه، صحافة تؤثر لا تتأثر. الصحافة أسماء لا أبواق ،صحافة مسؤولة تنقل الخبر و تنير الرأي العام لا تمارس الدعاية و لا تنشر الإشاعات و تروج للأكاذيب،صحافة تدافع عن المبادئ و القيم الوطنية و عن المصالح العليا للبلاد و أن تكون جدار الصد المنيع ضد الهجمات الخارجية و ضد أبواق العمالة و الأقلام المأجورة وأن تكون في الصفوف الأمامية للدفاع عن الموروث الثقافي و عن مواقف الجزائر الدولية أمام حروب سيبرانية هدفها زرع اليأس و خلق البلبلة و زعزعة الاستقرار خدمة لأجندات خفية و معلنة لقوى هدفها خريطة جيو إستراتيجية جديدة تضمن مصالحها على حساب هدم الأوطان و نهب الثروات في زمن القوة و البلطجة السياسية ولذلك علينا أن نؤسس لمنظومة إعلامية قوية تسع الجميع بعيدا عن السياسة و الإيديولوجيا وهذا لمواجهة التحديات و تحقيق الأمال للمهنة و الوطن.
لأن التحدي اليوم ليس فقط في السبق أو الانتشار، بل في استعادة المعنى — المعنى المهني، الوطني، والإنساني للصحافة.
الصحفي ليس ناقلًا للخبر فحسب، بل شاهد على الزمن، وحارس للذاكرة، وضمير للحقيقة.
وفي هذا اليوم الوطني، تبقى الآمال كبيرة في أن تستعيد الصحافة الجزائرية دورها الطليعي: إعلام وطني مسؤول، منفتح على التحول الرقمي دون أن يفقد نبل رسالته، وصحافة رأي وتحليل تعيد إلى الكلمة هيبتها، وإلى القلم سلطانه الأخلاقي. خدمة للوطن و المواطن
تحية تقدير لكل صحفي مهني يؤمن بالحرية و المسؤولية في تناول الأخبار بعيدا عن المزايدات و الشعبوية و التضليل الإعلامي في الجزائر .دون أن ننسى إخواننا في غزة شهداء الكلمة و الصورة ، أولئك الذين يؤمنون بأن الكلمة لا تُقصف، وأن الحق لا يُمحى مهما تغيّرت الوسائل والمنصات.