الصحة تدخل زمن الفعل

بقلم: جمال بن علي
لا يتحقق الإصلاح الحقيقي بالبيانات الرسمية ولا بالخطب المطمئنة، بل يتحقق حين يقرّر المسؤول أن ينزل إلى الميدان، وأن يرى الواقع كما هو، وأن يواجهه كما يجب. هذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في التحول الذي يشهده قطاع الصحة اليوم، حيث بدأت الدولة تبني إصلاحاً فعلياً على الأرض، بعيداً عن الوعود العابرة.
منذ أسابيع، اتجهت بوصلة الإصلاح مباشرة نحو الجنوب، نحو تلك المناطق التي لطالما شعرت بأن الخدمات العمومية تصلها متأخرة أو ناقصة. واليوم، مع الحركية الميدانية المكثفة، عاد الشعور بأن الدولة حاضرة بالفعل، وأن المواطن في الصحراء يستحق نفس الخدمة التي يحصل عليها أي مواطن في المدن الكبرى.
الجنوب… الامتحان الحقيقي لجدية الإصلاح
ربما لم تكن زيارات المسؤولين إلى الجنوب جديدة، لكن الجديد هذه المرة هو طبيعة القرارات التي صدرت ميدانياً: دعم المستشفيات بالكفاءات، توفير التجهيزات المتخصصة، فتح مناصب عاجلة في الطب والاستعجالات، وربط مصالح الأشعة بخدمات التشخيص عن بُعد لتقليص فوارق الحصول على العلاج.
هذه الإجراءات الميدانية ليست حلولاً ترقيعية، بل مؤشر على تغيير عميق في الطريقة التي تُدار بها المنظومة الصحية، وخاصة ما يتعلق بتقليص الفجوة بين الولايات.
الإصلاح يبدأ من العقل قبل الجدران
التوسع في الرقمنة، وإطلاق الملف الصحي الإلكتروني، وربط الجنوب بالشبكات الطبية الحديثة، لم يعد خياراً تقنياً بل ضرورة لضمان عدالة صحية حقيقية. ما يجري حالياً يعكس فهماً جديداً: المطلوب ليس فقط بناء مستشفيات، بل تغيير طريقة عملها وإدارتها.
لقد مثّلت تكنولوجيا التشخيص عن بُعد وإدماج الذكاء الاصطناعي خطوة نوعية، خاصة في مناطق تفتقر لعدد كاف من الأخصائيين.
عودة الثقة: عندما يشعر المواطن بأن الدولة استمعَت ثم قررت
التغيير الملموس الذي شهده الجنوب خلال الأسابيع الماضية أعاد بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة الصحية.
فقد شعر السكان بأن حضور الدولة لم يكن شكلياً، وأن المشاكل طُرحت في مكانها الصحيح، وأن الحلول جاءت فوراً لا لاحقاً.
أما المهنيون في القطاع فقد لمسوا أن صوتهم أصبح جزءاً من القرار، وأن الواقع الميداني يُنقل كما هو، لا كما يُراد له أن يظهر.
التحول الجاري في قطاع الصحة هو بداية مسار طويل، لكنه يعكس إرادة واضحة لإعادة الاعتبار للمرفق الصحي العمومي، وإعادة توزيع الجهد الوطني بعدالة بين الشمال والجنوب. وإذا استمر هذا النسق، فإن ما يحدث اليوم قد يتحول خلال سنوات قليلة إلى مراجعة جذرية لصورة الصحة العمومية في الجزائر.



