أول نوفمبر المجيد… ملحمة التحرير و الوحدة الوطنية

الافتتاحية : بقلم جمال بن علي
في فجر الأول من نوفمبر 1954، دوّت أولى رصاصات الثورة الجزائرية المباركة، لتعلن ميلاد أعظم ثورة تحررية في القرن العشرين، قادها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وواجهوا واحدة من أقوى القوى الاستعمارية آنذاك بإيمان لا يلين وعزيمة لا تنكسر. كانت تلك الليلة بداية طريق طويل نحو الحرية، رسمته دماء الأبطال الذين آمنوا بأن الجزائر تستحق الحياة والكرامة والسيادة.
لم تكن ثورة نوفمبر وليدة لحظة غضب، بل كانت ثمرة وعي وطني وتخطيط سياسي وتنظيم عسكري دقيق. جاء بيان أول نوفمبر كوثيقة خالدة وضعت معالم الطريق نحو الاستقلال، محدداً أهداف الثورة بوضوح: استعادة السيادة الوطنية، إقامة دولة جزائرية ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية، واحترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.
على امتداد سبع سنوات ونصف من الكفاح المسلح، قدّم الشعب الجزائري أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، سالت دماؤهم على جبال الأوراس، في القبائل، في الصحراء، وفي المدن والقرى، لتروي أرض الجزائر الطاهرة بدماء العزة والكرامة. لم يكن الشهداء أرقاماً في ذاكرة الوطن، بل كانوا رموزاً للبطولة والفداء، من مصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي وديدوش مراد إلى عميروش والحواس وبن مهيدي وعبان رمضان و بوضياف وغيرهم من صناع المجد.
كانت الثورة مدرسة في الوطنية والوحدة، جمعت الجزائريين على اختلاف مشاربهم، تحت راية واحدة وهدف واحد: الحرية أو الشهادة. ولم تكن البنادق وحدها من صنعت النصر، بل كانت الكلمة، والصحافة، و الرياضة والدبلوماسية الثورية أسلحة موازية في معركة التحرير، نقلت صوت الجزائر إلى المحافل الدولية حتى نالت استقلالها في الخامس من يوليو 1962.
اليوم، بعد أكثر من سبعة عقود على اندلاع الثورة، يظل أول نوفمبر رمزاً متجدداً للوفاء والالتزام بقيم التضحية والوحدة الوطنية. إنه يوم يستحضر فيه الجزائريون تاريخهم المجيد ليجدّدوا العهد مع الشهداء، ويواصلوا بناء الوطن بنفس الروح التي فجّرت الثورة: الإيمان، الإخلاص، والولاء للجزائر.
لقد أثبتت الثورة الجزائرية أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الشعوب التي تعرف طريقها لا تُهزم، وأن دماء الشهداء لا تذهب سدى، بل تنبت استقلالاً وكرامة بين الأمم.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
 
					 
				 
					
 
						


