الشهيد عبد الحق بن حمودة

خواطر من الزمن الجميل… بقلم ياسين تاكليت
هل كان ينوي الترشح للرئاسيات
ما من شك إن النملة اعلم بما في بيتها من البعير بما في بيت النملة.و الحقيقة انه ليس كل ما يعرف يقال وليس كل ما يقال يكتب و التلازم المنطقي إذن…ليس كل ما يعرف يكتب .لذلك ادخرنا كجيل ساهم في إرساء القواعد الأولى لحرية الصحافة الكثير من الكواليس و المعطيات لما بعد التأسيس.
شهدت العاصمة الجزائرية في منتصف 1993 أحداثا أمنية اقل ما توصف به أنها الجنون بعينه…الاغتيالات اليومية و الارتباك الأمني و السياسي..ناهيك عن الضغط الخارجي لإعطاء ملامح الإرهاب العام و في شتى الميادين.
كنت اثر ذلك و على غرار الزملاء في مدرسة الشروق العربي نعكف على الدفاع عن القانون الجزائري بيد أن الأطياف السياسية الاستئصالية صنفتنا ضمن المتعاطفين مع الإرهابيين…متناسين بذلك ان الدفاع عن القانون هو مبدأ الشرفاء .
دخلت مقر الجريدة و إذا بي أجد فوق مكتبي التكليف بالمهمة الخاص بتغطية الندوة الصحفية للاتحاد العام للعمال الجزائريين برئاسة الشهيد عبد الحق بن حمودة…هذا الرجل العصامي اللغز ترى ما موقفه من كل تلك الأحداث ثم ما محل العامل البسيط و قدرته الشرائية من كل ذلك…و هذا السياق من الأسئلة لا يمكنه الإجابة عن السؤال الأهم و هو موقفه من الرئاسيات القادمة.
ولان الرجل يتسم بالحنكة و الدهاء السياسي لاحظت من جانبي أن أسئلة الزملاء لم تكن تلامس الظرف بقدر ما كانت اقرب إلى التمويه.و لما جاء دوري سألته مباشرة…هل صحيح إنكم مرشحون لرئاسة الجمهورية…و الحقيقة أن الكثير من المصادر كانت تضع بن حمودة رحمه الله ضمن البدائل المقترحة آنذاك.فكيف كان الجواب
قال الراحل بن حمودة…حينما جاء بن بلة للحكم قلتم انتم من أتى به..و عندما غادر قلتم انتم من إزاحه…وعندما جاء بومدين قلتم أيضا انتم من أتى به و عندما مات قال البعض انتم من اغتاله و عندما جاء الشاذلي بن جديد قلتم انتم من جاء به وعندما رحل قلتم انتم أيضا من إزاحه عن الحكم….فإذا كنا نأتي بالرؤساء و نزيحهم فلماذا عسانا نترشح فنحن اكبر من الرئاسة نفسها.
وانفجرت القاعة اثر ذلك تصفيقا و عرفانا للخبث السياسي لهذا الداهية…كنت أود أن يجيبني فقط لكنه استغل الموقف ليستعرض عضلات الاتحاد العام وما أدراك.
جمعت أوراقي و سرت شبحا في الوميض…استوقفني احد المقربين منه وما هي ألا ثوان حتى وجدتني ارتشف القهوة مع الزعيم بن حمودة رحمه الله كان يسف السيجارة تلوى الأخرى و يتحدث بحرقة و كنت أتابع حديثه الذي ليس للنشر فكانت خلاصة اللقاء الودي علبتين من سجائر الإفراز للراحل بن حمودة و مثلها من نسيم للعبد الضعيف.
وجدتني آخر النهار أجوب شوارع القبة العتيقة و الخالية من المارة و أنا اردد بخاطري الموجوع….لا يهم أن أعيش حين تغتال بلادي…بل يهم من و من او من لمن خان العباد.وبعد صلاة التراويح ذات يوم من أيام رمضان الشتوي…علمت إن الإرهاب الغاشم قد اغتال عبد الحق بن حمودة فتذكرت كل ذلك و أكثر…ومضى كل شيئ فما بقي إلا بيت النملة لا احد يعلم ما فيه إلا النملة نفسها.