إفريقيا بين تقاطع المصالح… والنوايا السيئة

بقلم: جمال بن علي
لم تكن إفريقيا يومًا خارج حسابات القوى الكبرى، لا حين كانت تُنهب باسم “التنوير”، ولا اليوم وهي تُغتصب تحت شعارات “التعاون”. القارة السمراء، بثرواتها الباطنية الهائلة وموقعها الاستراتيجي، تحوّلت إلى رقعة شطرنج دولية، تُحرّك فوقها بيادق المصالح، وتُزهق فيها الإرادات.
صراع العروش الجيوسياسي
ما الذي يجمع بين قاعدة أمريكية في النيجر، واستثمار صيني في مرفأ جيبوتي، ومرتزقة روس في مالي، وصفقة سلاح تركية في السودان؟ الجواب بسيط: إفريقيا لم تعد ملكًا لأهلها، بل باتت ملعبًا تتقاطع فيه المصالح، وتتضارب فيه النوايا.
كل طرف يزعم أنه جاء “للمساعدة”، لكنه لا يخرج إلا محمّلًا بالذهب، واليورانيوم، والنفط، والولاءات.
فرنسا تتراجع… والصين تتوسّع
فرنسا، مستعمِر الأمس، تترنّح تحت وقع طردها الشعبي من مالي وبوركينا فاسو والنيجر. الصين، بهدوئها الزاحف، تُغرق إفريقيا بالقروض والموانئ، بينما تبني “أرض النفوذ” من دون أن تطلق رصاصة واحدة.
أما واشنطن، فهي تراقب من الجو بطائرات “الدرون”، وتُحذّر من الإرهاب، لكنها تغضّ الطرف عن الفساد. وروسيا، باسم “استعادة السيادة”، تفتح أبوابًا خلفية عبر فاغنر، تُغلق بها أبواب الاستقلال الحقيقي.
الإمارات… حين تتحوّل التجارة إلى حرب
وسط هذا المشهد المزدحم، برز دور الإمارات العربية المتحدة كفاعل جديد، لكن بأساليب قديمة. ففي أكثر من منطقة، تحرّكت أبو ظبي بدافع الذهب والنفوذ، لا بدافع التنمية. مولت ميليشيات، رعت انقلابات، وعمّقت الفوضى في بلدان مثل السودان وليبيا، تحت يافطة “الاستقرار”، لكنها كانت في الواقع تشعل الحروب لتأمين خطوط تهريب الذهب وشراء الولاءات.
لم تكن الإمارات دولة مستعمِرة تقليدية، لكنها أتقنت هندسة الخرائط السياسية في إفريقيا بطرق ناعمة وخفية… وأحيانًا، دموية.
نوايا لا تبني أوطانًا
حين تتحوّل المساعدات إلى قيود، والاتفاقيات إلى كمائن، والتعاون إلى تبعية… فاعلم أن النوايا لم تكن يومًا طيبة.
يُقال إن السياسة لا تُبنى على حسن النية، وهذا صحيح، لكن الأسوأ أن تُبنى على نوايا سيئة تُغلّف بورقٍ دبلوماسي ناعم، وشعارات تنموية براقة
إفريقيا التي يجب أن تقول “لا”
الرهان اليوم ليس على الخارج، بل على الداخل. على نخب قادرة أن تقول: لا للوصاية، لا للهيمنة، لا لعقود الشبهات، لا لاستبدال مستعمر بآخر.
إفريقيا بحاجة إلى من يملك قرارها، لا إلى من يُؤجّر سيادته مقابل كرسي أو وعود.
خاتمة:
إفريقيا ليست فقيرة، بل مُفقَرة. ليست عاجزة، بل مُعَجَّزة. ليست هامشًا، بل جوهرًا تمّ تهشيمه بقوة الخارج وصمت الداخل.
آن الأوان لتنتقل القارة من موقع الغنيمة إلى موقع الشريك، ومن دور الضحية إلى فاعل يعرف مصالحه… ويكشف من يتاجر بها تحت عباءة “المساعدات”.