الجزائر… مجد الاستقلال وتضحيات المليون ونصف المليون شهيد

في الخامس من يوليو من كل عام، تقف الجزائر وقفة عز ووفاء، إحياءً لذاك اليوم المجيد الذي سُطّر بالدم والدموع، يوم خرجت فيه الأمة من تحت نيران الاستعمار الفرنسي الذي جثم على صدرها أكثر من 132 سنة. إنه عيد الاستقلال، عيد الحرية التي انتُزعت انتزاعًا، لا منّة فيها ولا فضل لأحد، سوى تضحيات شعب آمن بعدالة قضيته، وقدم في سبيلها مليونًا ونصف مليون شهيد.
لم يكن الاستقلال مجرّد قرار سياسي أو لحظة احتفالية عابرة، بل خلاصة ملحمة إنسانية ووطنية، سطّرها شعب أبيّ قاوم أعتى قوى البطش، وتحدى مشروعًا استيطانيًا هدفه محو الهوية وإبادة الذاكرة. كانت ثورة أول نوفمبر 1954 نقطة التحوّل، حيث توحدت البنادق والقلوب، واندلعت شرارة التحرير في كل شبر من أرض الجزائر.
لقد سُحقت القرى، وأُحرقت الحقول، وعُذب الرجال، واغتُصبت النساء، وشُرِّد الأطفال، لكن الجزائر لم تنكسر. حملت الجبال أسرار المجاهدين، وارتوت الأرض بدمائهم الزكية، فأنبتت حرية وسيادة وكرامة. كان الثمن باهظًا، لكنه كان قدر الجزائر التي أرادت أن تكون سيّدة قرارها، لا تتبع أحدًا، ولا تخضع لهيمنة أو وصاية.
الاستقلال لم يكن نهاية الكفاح، بل بداية عهد جديد. فالشهداء لم يتركوا وصاياهم في كتب، بل سطروها في دمائهم: “احفظوا الجزائر، وابنوا مؤسساتها، واصنعوا مجدها بعد التحرير كما صنعناه في ميادين القتال.”
اليوم، وبعد مرور أكثر من ستة عقود على الاستقلال، تتجدّد مسؤولية الأجيال: أن يكونوا أوفياء لذاك الإرث العظيم، أن يحموا وحدة الوطن، ويصونوا كرامة الشعب، ويرفعوا راية الجزائر عاليًا بين الأمم.
في ذكرى الاستقلال، نحن لا نستحضر الماضي فحسب، بل نستلهم منه معاني التضحية، ونستمد منه العزم على مواجهة التحديات، وفاءً لأرواح الشهداء، وأمانةً في أعناقنا جميعًا.
رحم الله شهداء الوطن، وحفظ الجزائر أرضًا وشعبًا وتاريخًا ومستقبلًا.