الدور الحصيف للدبلوماسية الجزائرية: ثبات المبادئ وسط عواصف المتغيرات..

بقلم :جمال بن علي
لطالما ارتبطت الدبلوماسية الجزائرية بمبادئ راسخة تبلورت منذ فجر الاستقلال، عندما قررت الجزائر أن تُسمِع صوتها في المحافل الدولية، لا كبلد نامٍ يطلب الدعم، بل كأمة تحمل رسالة تحررية وإنسانية ذات بعد عالمي. وقد أثبتت الجزائر، طيلة عقود، أنها ليست فقط فاعلًا في السياسة الخارجية، بل ضميرًا سياسيًا لكثير من القضايا العادلة في إفريقيا والعالم العربي.
الخصوصية الجزائرية في العمل الدبلوماسي تنبع من تجربتها التاريخية في مقاومة الاستعمار، مما جعل من “مبدأ عدم الانحياز”، و”الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها”، و”عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، قواعد ذهبية في سلوكها الخارجي. وهذه المبادئ لم تكن شعارات بل مواقف تُترجم في مختلف المنابر، من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الإفريقي.
من أبرز تجليات الدور الحصيف للدبلوماسية الجزائرية هو التزامها بمبدأ الوساطة النزيهة. الجزائر لم تنخرط في محاور متصارعة كما تفعل بعض القوى الإقليمية، بل كرّست نفسها كوسيط نزيه في أزمات مثل:
الحرب الإيرانية العراقية حيث كانت الوسيط الأول قبل اندلاعها.
أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران سنة 1981، حين لعبت الجزائر دورًا حاسمًا في التوصل إلى “اتفاق الجزائر”.
الملف المالي، حيث لا تزال الجزائر تقود مبادرات الوساطة لإحلال السلام في مالي ضمن اتفاق الجزائر الموقع سنة 2015.
الأزمة الليبية التي تعاملت معها الجزائر بميزان المصلحة الليبية الخالصة، رافضة التدخلات العسكرية الخارجية، ومؤكدة أن الحل يجب أن يكون ليبيًا-ليبيًا.
في ظل التوترات والانقسامات التي تضرب العالمين العربي والإفريقي، ظلت الجزائر صوتًا معتدلًا وحكيمًا يرفض الانجرار وراء السياسات الانفعالية. وقد ظهر ذلك في مواقفها:
في القضية الفلسطينية، حيث ترفض كل أشكال التطبيع المجاني، وتؤكد على الحق الكامل غير القابل للتصرف للشعب الفلسطيني اللدي يكافح من أجل طرد العدو الصهيوني الغاشم.
في قضايا الساحل حيث تحرص على منع عسكرة الأزمات وتؤمن بأن الحلول يجب أن تكون تنموية وشاملة.
في قضية الصحراء الغربية، التي تعتبرها الجزائر، وكل الدول التي تؤمن بمبادئ الشرعية الدولية، قضية تصفية استعمار، بحكم أنها آخر مستعمرة في إفريقيا، وتدافع عن حقها في تقرير مصيرها بحرية.
في العلاقات مع الشركاء الدوليين، حيث تبني مواقفها على أساس الندية والسيادة والاحترام المتبادل، كما يظهر في علاقاتها مع الصين، روسيا، أوروبا، والولايات المتحدة. و غيرها من الدول الصديقة