السوشيال ميديا وضجيج التراندات.. تفاهة مُعلّبة وحروب بالوكالة

بقلم جمال بن علي
ما يحدث على السوشيال ميديا ليس حرية تعبير، بل فوضى مُدارة.
ليس تفاعلًا طبيعيًا، بل تلاعبًا جماعيًا بالوعي. نحن لا نعيش عصر المحتوى، بل عصر الضجيج المُعلّب، حيث تُكافَأ الرداءة وتُعاقَب الفكرة.
التراند اليوم كذبة كبيرة تُعاد يوميًا.
لا يولد من اهتمام الناس، بل يُصنَّع بمنطق بارد:
كيف نغضب أكثر؟ كيف نُهين أكثر؟ كيف نُصدم أكثر؟ كيف تفرز العقد و الحقد بأسماء مستعارة ثم يُرمى كل ذلك في وجه جمهور مُرهق، فيُستدرج، يعلّق، يشارك… ويدفع الثمن.
نحن أمام اقتصاد قذر للانتباه.
الخصوصية تُباع، القيم تُداس، والابتذال يُقدَّم كجرأة.
لا حدود، لا مسؤولية، لا معنى.
المهم أن تدور العجلة، وأن تتدفق الإعلانات، وأن يبقى الصراخ أعلى من العقل.
المؤثّر لم يعد مؤثّرًا، بل سمسار ضجيج.
لا يصنع رأيًا، بل يفتعل انفعالًا.
لا يطرح سؤالًا، بل يشعل معركة.
وحين ينتهي التراند، يبحث عن فضيحة جديدة، لأن الصمت بالنسبة له إفلاس.
الأخطر أن بعض وسائل الإعلام قرّرت الاستسلام.
بدل أن تكون سلطة مساءلة، صارت مكبّر صوت للتفاهة.
تستضيف الصاخب لأنه تراند، وتتجاهل العاقل لأنه لا يجلب المشاهدات.
هكذا يُدفن الدور الإعلامي ويُستبدل بالعرض الرخيص.
في هذا المناخ، يُعاد تعريف النجاح على نحو فاسد.
النجاح ليس ما تبنيه، بل ما تُفجّره.
ليس ما تفهمه، بل ما تُثيره.
ليس ما يُفيد الناس، بل ما يُبقيهم غاضبين.
الحقيقة بسيطة وقاسية:
الضجيج لا يصنع وعيًا، والتفاهة لا تصنع تاريخًا، ومن يبني مجده على الصراخ يسقط حين يملّ الجمهور.
هذه ليست حربًا على السوشيال ميديا، بل رفضٌ لتحويلها إلى مكبّ للعقول،
ورفضٌ لفكرة أن الطريق الوحيد للظهور هو الانحدار.
السؤال الأخير:
من يجرؤ على أن يكون عاقلًا في زمن يكافئ الجنون؟



