أيـام فـي بوسطن..

بقلم: جــمــال بــن عــلـي
في عام 1994، حملت حقيبتي الصحفية من واشنطن إلى كامبريدج، لأدخل أسوار جامعة هارفارد العريقة. هناك، لإنجاز روبورتاج خاص عن الجامعة ودور الجالية العربية فيها، في تجربة شكلت إحدى أهم المحطات الدولية في مسيرتي الإعلامية.
في ربيع ذلك العام، حملني شغفي بالصحافة إلى جامعة هارفارد في مدينة بوسطن، حيث كانت الجالية العربية تخطّ حضورها في واحدة من أعرق المؤسسات الأكاديمية في العالم. هناك، وسط القاعات المزدحمة بالنقاشات الفكرية والندوات العلمية، وجدت نفسي أدوّن الملاحظات وأصوغ الأسئلة، باحثًا عن قصص العرب في المهجر وعن أثرهم في الفضاء المعرفي الغربي. لم يكن الأمر مجرد تغطية إعلامية عابرة، بل نافذة واسعة على التفاعل الحضاري وتبادل الرؤى بين الشرق والغرب.
كنت آنذاك مراسلاً من واشنطن، أتنقل بين المؤسسات الأكاديمية والمؤسسات الإعلامية، وأسعى إلى إبراز صورة الجزائر و العرب في فضاءات لم يكن يُسمع فيها صوتهم بما يكفي. خاصة الجزائر التي كانت تعيش ويلات الإرهاب الأعمى وقد شكّل هذا الروبورتاج عن هارفارد محطة أساسية في مسيرتي الإعلامية، لأنه عكس حضورًا عربيًا متميّزًا داخل مؤسسة ذات تأثير عالمي، وأبرز قصص طلبة وباحثين حملوا أحلامهم من ضفاف المتوسط إلى ضفاف نهر تشارلز.
لقد كانت “أيام في بوسطن” أكثر من مجرد تقرير صحفي، بل شهادة على مرحلة من الانفتاح الإعلامي العربي على العالم، وتجربة شخصية عميقة شكّلت إحدى الصفحات المضيئة في رحلتي المهنية، وذكّرتني دومًا بأن الصحافة الحقيقية ليست فقط نقل الخبر، بل أيضًا بناء الجسور بين الثقافات ورواية الحكايات التي تستحق أن تُروى. بكل صدق و أمانة.