رسالة أميريكا: بين المتابعة القضائية والتلاعب بالقانون الاميريكى

د. حمود صالحى
شهر يفصلنا عن ملحمة الرئيس دونالد ترامب ، ولكن مع دعم من 74 مليونًا من الانصار الاوفياء، فهو في طريقه لتأمين قيادة الحزب الجمهوري والتخلص من الديون التي تراكمت عليه في السنين الاخيرة. وكما قالت كاتبة مجلة النيو يوركر، جاين مارى مؤخرًا ، فإن للرئيس ترامب مشاكل كبرى أخرى تزيد من قلقه وذلك “بسبب سلسلة الدعاوى القضائية والتحقيقات الجنائية التي يواجهها.” فسوف يفقد بمغادرته البيت الأبيض “الحصانة التي رافقته طيلة فترة توليه الرئاسة”.
.. أنباء متداولة على أن الرئيس ترامب يفكر في طريقة لاستصدار عفو عن نفسه. ورغم أن هذا الاحتمال لم يحدث قبلا ، ولكن مع الرئيس ترامب كل أمر وارد . فأحد الاحتمالات أن يستقيل من منصبه قبيل نهاية عهدته لنائب رئيسه قصد الاستفادة من اعفائه من المتابعات القضائية الفديرالية، كما فعل الرئيس السابق ريتشارد نيكسون؛ ولكن حتى هذا الاحتمال لن يحميه من الدعاوات الأخرى الجارية ضده حاليا على مستوى الولايات المعفية من تلك البراءة.
تلك هي اذن نوايا الرئيس ترامب الحقيقية على غرار خلفية حملته للطعن في نتائج انتخابات 2020 وعدم اعترافه بفوز خصمه الرئيس المنتخب جو بايدن. فلتحقيق أهدافه، يدرك جيدا أن مستقبله السياسي والشخصي مرتبطان بمدى قوة نفوذه فى الحزب الجمهوري وذلك عن طريق تسريب نظريات مؤامرة مزعومة عن تزوير واسع النطاق للناخبين دون وجود دليل أو مزايا ليتم الاستماع إليها في المحكمة. فرغم رفض المحكمة العليا أكثر من 60 ادعاءًا قانونيًا بتزوير التصويت، ومصادقة جميع الولايات على فوز الرئيس المنتخب بايدن فإنه لم يتوقف. لأن من بين أهدافه السياسية الكبرى خلق صورة مشوهة لدى أنصاره بأنه ذهب ضحية التزوير وأنه الفائز الحقيقي فى الانتخابات، استدراكا منه للبقاء فى المسرح السياسى كعضو فاعل وقائد للحزب الجمهوري فى الأعوام المقبلة وبالأخص فى انتخابات 2024.
سلاحه تغريدة. يتابع الأخبار بجنون، ويهتم بما يقولونه عنه وليس ما تعاني منه أمريكا من جائحة كورونا أو حتى أثار سياساته العامة وانعكاساتها.. تجرأ على انتقاده فأنت تحت رحمة أصابعه. وكن مستعدًا للطرد إذا كنت من موظفيه.. أما إذا كنت من أحد أصدقائه وتجرأت بقول الحق، فاعتبر نفسك عدوه اللدود واستعد لأن يكذبك و يشتمك بألفاظ بذيئة لا يتفوه بها شخص مؤدب أو على الأقل في مركزه. بل خذ فى حسبانك ما سيفعلون أولياؤه الداعمون لأساطيره، وخاصة المتشددين منهم. قد تكون حياتك في خطر. أسأل كريستوفر كريبس، مدير وكالة ألامن السيبرانى والبنية التحتية، والذى أشرف على الانتخابات السابقة واستنتج “أنها خالية من أي تزوير أو أي تدخل خارجي” ، متناقضا بذلك مع ادعاءات الرئيس ترامب بأنها مزورة. فرغم أن الرئيس ترامب كان قد عينه فى هذا المنصب و افتخر بانجازاته فى مرات عديدة سابقة، لم يقبل استنتاجه بأن الانتخابات كانت نزيهة، وذهب الى أبعد من ذلك بطرده بتغريدة، وفاتحا المجال لانصاره (أى أنصار الرئيس ترامب) بتوجيه انذارات وتهديدات ضد حياته وعائلته. وكما يذكر أحد المحامين “وسط هذه التهديدات ، أُجبرعلى مغادرة منزله وتوظيف حراسة خاصة. لقد أفسد حياتهم بشكل أساسي. يشعر هو وعائلته بتهديد رهيب “.
الدرس المستفاد من سلوك الرئيس ترامب هو التزام الصمت. ولهذا السبب رفض معظم قادة الحزب الجمهوري الاعتراف حتى الآن بنزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية رغم مصادقة ولاياتهم.
إن هذا الخوف من عقوبات الرئيس ترامب هو الدافع وراء بقاء الحزب الجمهوري تحت سيطرته. علاوة على هذا فإن بروز قائد آخر سيؤدي إلى انقسام الحزب الجمهوري و تكسيره فى ظل غياب قائد قادر على كسب ولاء أنصار الرئيس الحالى وعددهم يتعدى 74 مليون. فظهور زعيم شجاع وجديد ضد الرئيس ترامب سيؤدي الى تقليص نفوذ الحزب الجمهوري في الكونغرس والسلطات التشريعية بالولايات. فالرهان ضد الرئيس ترامب له ثمن غالي لا نعتقد أن الحزب الجمهورى مستعد للمغامرة معه وفى الوقت الحالي بالذات.
وما يضيف لقوة الرئيس ترامب أنه تلقى أكثر من 207.5 مليون دولار من التبرعات منذ نهاية انتخابات 2016 تحت ادعاء استعمالها لسد تكاليف نفقات الدعاوى القانونية التى رفعها تحت مزاعم كاذبة لتقويض شرعية انتخاب الرئيس جو بايدن. لكن، كما ذكرت جريدة النيويورك تايمز فانه بينما كان يواصل الرئيس ترامب الضغط بقوة على أنصاره للتبرع بالمال لتغطية نفقاته القانونية ،فإنه “يتم تحويل 75 ٪ من تبرعاتهم إلى لجنة عمل سياسي جديدة يقودها بنفسه”. بينما يتم تحويل الباقي من التبرعات إلى اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري ولجنتين أخريين شكلهما الرئيس ترامب للتعاون بينه ولجنة الحزب الجمهوري.
ولكن تحت بنود خاصة اشترط الرئيس ترامب تحويل كل التبرعات التي لا تتعدى قيمتها 5000 دولار الى صندوقه الخاص لتسديد ديونه. وبذلك يكون الرئيس ترامب قد ضرب عصفورين بحجر واحد، كما يقول المثل.
هذا وتجدر الاشارة أن صحيفة فاينانشيال تايمز قدرت هذه الديون بما قيمته حوالي 900 مليون دولار من ديونه العقارية والتي تستحق دفعها خلال السنوات الأربع المقبلة. وكما ذكرت واشنطن بوست ، فان ممتلكات الرئيس ترامب “تضررت بشدة من الوباء وتداعيات حياته السياسية المثيرة للانقسام.” وحسب الجريدة، لم يبق للرئيس الا رئاسة البيت الابيض لحفظه من “السجن ومن المأوى”.
لقد تحدث الرئيس ترامب عن هذا المأزق اثناء حملته الانتخابية فى احد تجمعاته الحاشدة مستفسرا “تخيل لو خسرت؟ ربما سأغادر وأضطر إلى مغادرة البلاد – لا أعرف.”
وذاك بالفعل ما قاله مؤيده السابق “أنتوني سكاراموتشي” بأن الرئيس ترامب وضع ذلك فى الاحتمال فى انتخابات 2016 عندما كان يتوقع فوزهيلاري كلينتون . اما “ماري ترامب” إبنة أخيه فذهبت إلى أبعد من هذا حيث توقعت أثناء الحملة الانتخابية السابقة بأنه لو فاز بايدن فإن ترامب “سيصف نفسه بأنه أفضل شيء حدث لهذا البلد على الإطلاق ، ويقول:” لا يستحقني ذلك – سأفعل شيئًا مهمًا حقًا ، مثل بناء برج ترامب في موسكو. “
لذا ، فإن خطة الرئيس ترامب بسيطة وواضحة ولكن تبقى مرهونة بمدى نجاحه في تجاوز القانون الجنائي الولائي الذي لا تنطبق عليه البراءة القانونية الفيدرالية التي قد يسعى اليها باستقالته من منصبه لصالح نائب رئيسه قصد اعفائه من الدعاوى القضائية المرفوعة ضده حاليا.
فالتاريخ وتجربته الخاصة مع الرئيس ترامب. و لحد اليوم ، لم يحاكم أي رئيس أمريكي بتهمة جريمة جنائية. كما نجى الرئيس ترامب من محاكمة واحدة رفعت ضده بالكونغرس الأمريكي، وحالتي طلاق ، وست حالات إفلاس ، وستة وعشرين اتهاما بسوء السلوك الجنسي ، وما يقدر بأربعة آلاف دعوى قضائية، حسب ما جاء فى عدة تقارير عن حياته الشخصية. فهل خسارته الانتخابية، كما تساءل أحدهم، هي نهاية مطاف لحظ سعيد؟
بقلم د. حمود صالحى



