مايجب أن يقال: مستقبل الحروب الاستخباراتية في زمن الذكاء الاصطناعي

بقلم: جمال بن علي
في عالم يتسارع فيه تطور التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، أصبحت الحروب الاستخباراتية أكثر تعقيدًا وخفاءً من أي وقت مضى. ومع بروز الذكاء الاصطناعي كأداة مركزية في إدارة البيانات واتخاذ القرارات، دخلت الاستخبارات العالمية عصرًا جديدًا تُرسم فيه خرائط النفوذ من خلف الشاشات والخوارزميات، لا من خلال الأسلحة أو الجيوش التقليدية.
الذكاء الاصطناعي كعامل مغير لقواعد اللعبة
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد وسيلة لتحليل البيانات، بل أصبح شريكًا فاعلًا في صنع القرار الاستخباراتي. فالخوارزميات قادرة اليوم على تحليل ملايين الوثائق، والمراسلات، والإشارات الرقمية، واستخلاص الأنماط وتحديد التهديدات بدقة وسرعة تفوق قدرات الإنسان. في هذا الإطار، تتحول أجهزة الاستخبارات من مراكز تقليدية إلى منصات رقمية تديرها برامج قادرة على التعلّم والتكيّف الذاتي.
صعود “الظل الرقمي” والعملاء الافتراضيين
أفرز هذا التطور نوعًا جديدًا من العملاء الاستخباراتيين: غير المرئيين، غير البشريين، يعملون في صمت، ويجمعون المعلومات دون أن يتركوا أثرًا. يمكن لروبوتات الدردشة أو الحسابات المزيفة المدعّمة بالذكاء الاصطناعي أن تزرع الفوضى أو تبث معلومات مضلّلة أو تتسلل إلى شبكات الخصوم. نحن أمام جيل جديد من الحروب، حيث العميل ليس إنسانًا، بل سطر برمجي.
حرب البيانات بدل السلاح
في زمن الذكاء الاصطناعي، أصبحت البيانات هي الوقود الجديد للحرب. وكلما زادت الدولة في امتلاك وتخزين وتحليل البيانات، زادت قدرتها على التأثير في القرار السياسي والاقتصادي والأمني لخصومها. الحروب القادمة لن تشتعل بصواريخ، بل بانتهاك الخصوصية، وبالهجمات السيبرانية، وبالتلاعب بالرأي العام عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي.
مخاطر الاختراق العميق والتحكم السردي
من أبرز مخاطر الذكاء الاصطناعي في الحروب الاستخباراتية، ما يُعرف بـ”الهجمات السردية”، أي القدرة على فبركة واقع إعلامي كامل (صور، مقاطع فيديو، أخبار) يصعب تمييزه عن الحقيقة. كما يمكن استهداف الأفراد من خلال تحليل سلوكهم الرقمي وبناء ملفات نفسية لاستغلالهم أو تجنيدهم أو إسقاطهم.
خاتمة:
في زمن الذكاء الاصطناعي، لم تعد الحروب الاستخباراتية تدور في دهاليز السفارات أو على أرصفة العواصم، بل في قلب الإنترنت، وبين أسطر الشيفرات. من يفوز في هذا العالم الجديد ليس من يملك أكبر ترسانة، بل من يملك أفضل خوارزمية وأذكى نظام تحكم. هي معركة العقل، لا العضلات، ومعركة الحقيقة ضد التلاعب، والبشر ضد الآلة… أو ربما بتحالف بينهما.