آخر الأخبار
بن جامع بمجلس الامن الدولي : نزع السلاح النووي "حتمية اخلاقية رئيس الحمهورية ينصب اللجنة الوطنية العليا للطعون المتعلقة بالاستثمار رسالة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بمناسبة الذكرى 62 لعيد النصر، هذا نصها: رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، يستقبل رئيس حركة البناء الوطني، السيد عبد القادر بن قرينة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون يهنئ الرئيس الروسي السيد فلاديمير بوتين بمناسبة إعادة انتخابه ر... الجزائر تدين بأشد العبارات مشروع مصادرة ممتلكات سفارتها في المغرب وزير الاتصال يلتقي مدراء القنوات التلفزيونية لتقييم البرامج التلفزيونية خلال الأسبوع الأول من شهر رم... وزيرة الثقافة تشرف على تنصيب لجنة تحكيم جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب الموسومة بجائزة "علي مع... مقتل عدة أشخاص في إطلاق نار في ولاية بنسلفانيا إعلام: "سبيس إكس" تنشئ شبكة من أقمار التجسس الصناعية للاستخبارات الأمريكية "بقلوب يعتصرها الحزن والأسى" الاتحاد الموريتاني يعلن وفاة حارس مرماه معظم الهجمات على نظام التصويت الإلكتروني عن بعد مصدرها الولايات المتحدة وبريطانيا ترامب: إذا لم يتم انتخابي فسيكون هناك حمام دم في البلاد الحزب الاشتراكي الفنزويلي: الرئيس مادورو سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في يوليو شولتس يوافق على فتح تحقيق في تسريب محادثة الضباط الألمان حول ضرب القرم بصواريخ "توروس" المديرية العامة للإتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي عبد الرحمان تيميزار وزير الاتصال البروفيسور محمد لعقاب يجتمع غدا الأحد بمدراء القنوات التلفزيونية العمومية والخاصة "واشنطن بوست": بعض قرى أوكرانيا لم يعد بها رجال أديس أبابا: أحمد عطاف يجري محادثات ثنائية مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون في شرق افريقيا بجمهورية ت... أحمد عطاف يتلقى مكالمة هاتفية من الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب أفريقيا ومنطقة الساحل،...
أحجار الوادي

المسلمون واليهود.. نظريّة البقرة والعجل

أحجار الوادي

المسلمون واليهود.. نظريّة البقرة والعجل

خالد عمر بن ققه

  ” حين يصل مجرى الوادي إلى نهايته، وتبلغ حملته ـ غير السياسيّة ـ ذروتها، ويتَّخذ طريقه القَدَري في تكرار شبه أبدي في مرحلة ما بعد الغدير وصوته، نحو عودة تنتهي إلى تكريس البداية حين كان خالياً إلا من أحجاره، تكون هذه الأخيرة هي الثابت الوحيد، وعلى مِثْلها يمكن أن نقيس ثوابت الجغرافيا، وحوادث التاريخ، ومنظومة القيم، وعمق الإيمان، وعلاقات البشر، ومستقبل الدول، ودور القادة، ومصير الشعوب، وحركة الزمن، ومسار الحياة.. هنا في هذه المقال كثير أو قليل من هذا وذاك”                                 

العلاقة بين المسلمين واليهود منذ أن ظهر الإسلام، وتمَّعق دولةً في” المدينة” المنوّرة، وتشكل في تطبيقه العملي على مستوى العلاقة ضمن الهدْي النبوي، عبر” صحيفة المدينة” أو” دستور المدينة” وإلى يومنا هذا، لا تخرج عن واحدة من اثنتين: إما علاقة تقوم على الحوار والجدل رغم الاختلاف البيِّن حول” البعد الإيماني للتعايش” لدرجة التداخل، حيث يبدو المنبع العقائدي واحداً، خاصة في الشق المتعلق بالتوحيد.

 وفي مراحل لاحقة من التاريخ، أصبح اليهود جزءاً من الحضارة الإسلامية، بل فاعلين فيها، ومؤثرين في جميع مجالاتها بما فيها القرار السياسي، كما اشتركوا معنا في المعاناة واقتسمنا سويّا السّرَّاء والضَّراء في مراحل أخرى من التاريخ (  سنوات الترف، وبعدها محاكم التفتيش في الأندلس تحديدا)، وتحدثت بعض القراءات، على أن المسلمين كانوا سينتهون بعد الحرب العالمية الثانية إلى الحالة التي عانى منها اليهود في محرقة النازية، وإن كنا قد عَنَيْنَا من نتائجها بعد ذلك بإقامة دولة لليهود على حساب الفلسطينيين.

الحالة الثانية، علاقة تنافر وتباعد، تصل أحيانا إلى الصدام والحرب والاقتتال، وقد تأسست تلك العلاقة في الماضي على ” الفهم اليهودي” القائم على قاعدتين في غاية الأهمية، أوَّلُهما: الرفض المطلق لـ” كلمة سواء”، منذ نزول الوحي على الرسول عليه الصلاة والسلام، وإلى حوارنا الحالي معهم حول السلام ـ الحقيقي أو المزعوم ـ والمسألة الثانية” هي: البحث عن كل ما يثبِّت أو يصل بالناس ـ وليس بالمسلمين فقط ـ إلى” طريق عوج”، وهذا ما توضحه أحد بنود” برتوكولات حكماء صهيون” بالقول:” نحن سادة العالم ومفسدوه”.

فضاء أهل الكتب السماويَّة

وبغض النظر عن حركة العلاقة بين المسلمين واليهود في مدّها وجزرها، فهم أقرب الناس إلينا في كثير من الطقوس الدينية، ناهيك على أننا نشترك معهم في ميراث ديني واحد، فهم أهل كتاب بلا ريب ـ نستند هنا إلى الخطاب القرآني ــ ومنهم استقينا كثيراً من التفسيرات لفهم قضايانا الدينية ـ سواء أكانت صائبة أو خاطئة ـ لكن كل هذا وغيره لا ينفي وجود مخاوف بيننا تصل إلى درجة الرعب، نتيجة لتركة ثقيلة من غدرهم لنا خاصة عند احتلال بلداننا، فكثير منهم تحالف ـ بوعي ـ مع القوى الاستعمارية، وزاد احتلال فلسطين العلاقة سوءاً.

 أما عدواتهم لنا في العصر الحديث، فهي نابعة في الغالب، من شيطنتنا لهم، وترويج بعضنا إلى خطاب كراهيَّة، وارجاع كل مصائبنا وتخلفنا وتراجعنا إلى دسائسهم، وهذا يُحيلنا إلى جملة من الأسئلة، منها: لماذا استعمرنا في عقود سابقة عن قيام دولة إسرائيل؟، وكيف تم ذلك؟، ومن المسؤول عن هزائمنا؟

إن الإرث المشترك بين المسلمين واليهود في شقه المتعلق بالتأسيس النظري، والمرجعيّة الفكرية، أو لنقل البعد الأيديولوجي، يعود اليوم بفهم صحيح نظريّا، وخاطئ عمليّا لهم من طرفنا، وفهم خاطئ نظرّيا وصحيح عمليّا لنا من طرفهم، أو ما أسميه بـ”نظرية البقرة والعجل”، فكيف ذاك؟

قبل التطرق إلى الإجابة عن السؤال السابق ـ وهي لب مقال اليوم، بل لب النقاش السياسي والعسكري الدائر اليوم بيننا وبينهم ـ دعونا نُعرِّج على نظرة الإنسان المسلم لليهود، فهي وإن كانت تقوم على عداء سياسي مبرر نتيجة احتلال فلسطين، إلا أنها تقوم على اعتراف طوعي ليس فقط بحق اليهود في العيش، أو الاعتراف بإثرائهم للحقل العلمي والثقافي للبشرية، وإنما بأكثر من ذلك وهو” العيش” في زمانهم الماضي، في رحلة إيمانهم، في لحظة تجلَّى الله عز وجل لنبيّه موسى عليه السلام في جبل طور بسيناء.. وفي حنين إلى تلك الفئة منهم في ذلك الزمان البعيد.. إنه فضاء أهل الكتب السماوية، ومن هنا جاء إيماننا بما أُنْزِل إلينا، وما أنْزِل إليهم، أوَّلاً لأن إلهُنا وإلههم واحد، وثانياً: لأن إيماننا لا يكتمل إلا بذلك، وبهذا أُمِرْنا، وتطبيق الإيمان عندنا يكون في قولنا:” سمعنا وأطعنا”.

الأخوة الإيمانيّة

نحن إذن إخوة مع الفئة المؤمنة من بني إسرائيل، ولسنا أبناء عمومة كما يُصدّر إلينا هذه الأيام، ليس فقط لأن الأديان لا تقوم على القرابة الدموية، ولكن في ذلك تبسيط للكتب السماوية، وللدين الإسلامي، يصل إلى درجة” السفاهة” أحيانا، والأكثر من هذا هو تسييس مقصود للدين، يصل إلى درجة الإجرام المتعمد.

وتقديراً لتلك الفئة المؤمنة في زمن سيدنا موسى عليه السلام، ومن تبعها ثم آمن بسيدنا عيسى عليه السلام، وأيضا من تبعها ثم آمن بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام، نرى في يهود اليوم امتداداً لتلك الفئة، حتى لو لم يسيروا على خطاها، ورفضوا الإيمان بمحمد رسولاً نبيّاً، ذلك لأن اليهود هم أمة من الناس، حببنا أم كرهنا، تنتمي إلى فضاء التوحيد، ووجودهم ضروري في حياتنا وحياة البشرية كلها، ومن هنا على كل مسلم تقدير اليهود من حيث أنهم خلق الله هذا أوّلاً، وثانيا: هم أهل كتاب.

غير أن ذلك التقدير يصعب تحقيقه على خلفيّة ميراث من العداء كانت له جذور الماضي، إلا أنه بلغ الذروة باحتلال فلسطين عام 1948، بل أنه يرجع إلى تاريخ سابق عن هذا، تحديداً حين بدأ بعض من اليهود تشكيل عصابات للاستيلاء على فلسطين، ومنذ الوقت إلى الآن تربّت عدة أجيال في العالمين الإسلامي والعربي على كراهية اليهود، ثم زادت اتِّساعاً وشدةً، نتيجة لما قامت به إسرائيل من مجازر في فلسطين، بل وتوسيع دائرة عدائها للدول العربية المجاورة وغير المجاورة، بحجة أن العرب جميعهم يعادونها.

الانسحاب.. والتَّجسيد 

مع مرور الوقت، ورجحان الكفة لصالح الدولة العِبْرية ــ الكيان ـ في السلم والحرب، تبنَّى الطرفان المسلم واليهودي، ربما دون قصد تطبيق” نظريّة البقرة والعجل”، ويمكن أن نطلق عليها” نظرية التفاوض والتجسيد”، وأُتْبع ذلك في كل المراحل، خاصة في فترة ما بعد السلام بين مصر وإسرائيل، وما تبعها من سلام منفرد أو ثنائي بين بعض الدول العربية وإسرائيل، بانسحاب عربي من الأرض، ثم من القضية، وإن قيل غير ذلك، مقابل تقدم إسرائيلي على الأرض ثم العقول.

والواقع أننا تربينا على ثقافة الانسحاب ـ بما في ذلك من المحافل الدولية الكبرى ـ كتعبير على عدم الاعتراف بإسرائيل، في حين احتلَّت هذه الأخيرة مواقعنا عالميّاً، وقد وقفت إلى جانب حقنا العربي والإسلامي بعض دول العالم، حتى إذا ما تأكدت من ضعفنا وعجزنا وتراجعنا وانسحابنا من أرضية الدفاع عن حقوقنا شاركتنا الانسحاب، ومع الوقت تحولت إلى الجهة الأخرى، ولم تكن سياسة الانسحاب لدينا، مواقف دول وحكومات ولكن مواقف شعوب وأفراد أيضا.. هنا أذكر ثلاث أمثلة من تجاربي الحياتية الشخصية في رفض معرفة الآخر اليهودي، ضمن سياسة الانسحاب.

المثال الأول: تعود بي الذّاكرة إلى صيف العام 1983، حين زُرْت مصر لأوَّل مرة، وكانت العلاقات وقتها لا تزال مقطوعة بينها وبين غالبية الدول العربية، وأثناء سفري عبر مطار لارنكا ـ قبرص، تعرَّفت على سائح جزائري، إن لم تخن الذاكرة اسمه” محمد مراح”، وحين وصلنا إلى القاهرة، بحثنا عن فندق يكون قريبا من الأزهر ومسجد سيدنا الحسين، فوجدنا فندقا اسمه” فلسطين” في شارع” الموسكي”، قضينا فيه ليلة واحدة.

 وفي اليوم التالي ذهبنا إلى وسط القاهرة، وأقامنا في فندق آخر، اسمه” أوتيل دي لافي” على ما أذكر، وفي صباح اليوم الثاني: قابلنا في بهو الفندق رجلاً ضخم الجثة، تبدو ملامحه عربيَّة، لكن من حديثه مع موظف الاستقبال، الذي أظهر فيه أنه ضد المتدنيين اليهود، حتى غير المتشددين منهم، فعرفنا أنه يهودي.

 كانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها شخصاً يهوديّاً بشكل مباشر، فتشاجرنا مع الموظف، لأنه لم يخبرنا أن يَهُوداً يقيمون في الفندق، وحاول اليهودي تهدئتنا فازددْنا غضبا، وحذَّرنا الموظف من تهوّرنا، لأن ما نقوم به مخالفاً لسياسة مصر، التي هي الآن في سلام مع إسرائيل.. وانتهى بنا إلى الأمر إلى ترك الفندق(أي الانسحاب)، وتأجير شقة مفروشة في شارع المتحف الزراعي بالدقي.

يهودي مغربي.. و”الملكة بلقيس”

المثال الثاني: رافقت في خريف العام 1991 تجار ملابس من الجزائر إلى الدار البيضاء لشراء” بناطيل” الجينز، مقابل حصولي على نصف مكاسب تلك العملية عند الانتهاء من البيع في الجزائر.. ذهبنا بعد يوم من وصولنا إلى أحد المصانع الخاصة، وبعد نقاش مع صاحبه، دام حوالي ثلاث ساعات، اتفقنا فيها على السعر والكمية، وبحسابات أولية لو تمت الصفقة بنجاح، لحصلت منها على ما كان سيغير حياتي المادية بل والعملية من النقيض إلى النقيض، لكنني حين عرفت أن صاحب المصنع يهوديّاً، عملت على افشال الصفقة ( أي انسحبت)، ثم عدت من المغرب حتى من دون” خف حنين”.

المثال الثالث: في شتاء العام 2001، كُلّفت من جريدة” الاتحاد” الإمارتية بأعداد ملف ميداني عن اليمن.. حين وصلت العاصمة صنعاء أحسست فعلاً بعودة إلى الأصول، وفي ساعات قليلة صرتُ جزءاً من حركة المجتمع اليمني، وكيف لا وأنا في حضن أهلي وناسي، وأزْهُو بامتداد أمتي عبر التاريخ.

 والواقع أنني جئت بحنين وشوق إلى” بلقيس ملكة سبأ”، حتى أنني كنت في عوالم ثانية لدرجة تخيلها أمامي، ولذلك سميت الملف ــ 30 حلقة ـ ” أيام على أرض بلقيس”، وللتاريخ أذكر أن زيارة اليمن كانت من أكبر وأهم الأمنيات في حياتي.. أحمد الله على أنها تحققت، وأشكر الصديق أحمد الجبلي، مدير تحرير صحيفة” 26 سبتمبر” في ذلك الوقت، على ما قدمه لي من دعم غير محدود.

أزّ الشياطين

ومن بين القضايا التي تناولتها في هذا الملف، هو” اليهود في اليمن”، فقد زرت أهم حاخام، يدعونه هناك بـ” العيلوم”، في بيته بمنطقة نائية وبعيدة عن العاصمة أقام فيها رفقة زوجته، التي كانت تشبهُ في ملابسها وحتى ملامحها احدى جداتي.

 كان الحديث مع العيلوم مُمْتِعا، وأذكر أني سألته:

ــ لماذا لم تهاجر إلى إسرائيل؟

فأجابني:

ــ أنا هنا سيد القوم، يأتيني الزوار ـ عرب وأجانب ـ من كل حدب وصوب، فكيف أترك اليمن وأنا فيها مشهور، وأذهب إلى إسرائيل لأصبح نكرة؟

وقتها كانت الانتفاضة مشتعلة في فلسطين المحتلة، فسألته عن رأيه منها، فأجابني:

ــ دعُوكم منهم، يقصد الفلسطينيين واليهود ــ هم أبناء عم، ويعيشون في أرض واحدة، وهم أقرب لبعضهما.

قلت معلّقا:

ــ ولكن الحرب بينهما متواصلة

علّق على قولي بجزء من آية في سورة مريم، قائلا:

ــ إن اليهود والفلسطينيين” تؤزّهُم الشياطين أزّاً”

اغتنمت فرصة استشهاده بالقرآن، وسألته:

ــ ما رأيك في وصف القرآن لليهود؟

فضّل عدم إجابتي، وحدثني بقصد في موضوع آخر، ونهاية النقاش في رأيي هي موقف” العجل” عند اليهود اليوم.

سلام.. بلا تخوين

بعد هذا كلهّ، لنعد إلى الموضوع الأساس في هذا المقال، وهو” نظرية البقرة والعجل”، حيث يعيش المسلمون واليهود اليوم بشكل مباشر أو غير مباشر حالة من التخلف لا مثيل لها.. إنهما يرتبطان بالماضي، لكن يختلفان من ناحية النتيجة من التفاوض التي تنتهي إلى الانسحاب، والتمكين وملأ الفراغ.

وكما قلت في البداية، فإن المسلمين اليوم يحملون فهماً صحيح نظريّا لمسألة التفاوض، الخاصة ببني إسرائيل حين أمرهم الله سبحانه وتعالى بذبح بقرة، الذي ما كان ليتحقق لولا رحمة الله بهم، وأيضا ما كانوا ليستجيبوا لولا مخافتهم من عقابه، وهي بلا شك حسب الميراث الديني والتاريخي صحيحة إذا اعتبرناها مثالا يؤخذ بنقيضه، إذْ لا يكمن لنا نفي هذا التفاوض، حتى أن بعض السياسيين العرب والمسلمين، يرى في صبر الله عن أسئلتهم غير المبررة حول تقديم الضحية مُدخلا للصبر معهم في التفاوض مهما كان.

وقد سبق للعرب مجتمعين أن سعوا في قمة بيروت عام 2002، إلى إطلاق مبادرة سلام مع إسرائيل، لم تهتم بها، ثم انتهى الأمر ببعضهم إلى السلام مع إسرائيل بشكل مباشر، وهكذا أصبح التفاوض لا يؤدي إلى تحقيق النتائج، أي خاطئ عمليّا لهم من طرفنا.

هنا علينا أن نعيد قراءة ما يقوم به بعض الذين دخلوا في علاقة سلام من إسرائيل، بعيداً عن التخوين والتشنج والعصبية، فليس هناك فعل شر في المطلق، وليس صحيحا ما يروج له كثيرون من أن كل من يتفاوض مع إسرائيل أو يجري سلاما معها فهو خائن، وذلك لعدة اعتبارات، منها:

أولا ـ لا يعني التفاوض أو السلام من الناحيتين الجهادية والنظرية حالة من الضعف أو الخوف، وإنما قد يكون تعبيرا عن القوة، مع الإقرار أن نتيجة الحوار أو السلام قد تُفْضي لعكس ذلك.

التفكيك والابتلاع.. مصر والسعودية

ثانياً ـ أن كثيرا ممن أجروا حواراً أو سلاما مع إسرائيل يعرفون أنهم يحاربون العالم كله، وعلينا أن ندرك أن دول العالم، بما فيها من يعتبرون أصدقاءنا من الغرب والشرق، تخلصت من اليهود بإقامة دولة لهم، وليست على استعداد بقبول عودتهم مرة أخرى إليها.

 لهذا تسود اليوم فكرة أساسية بين كثير من السياسيين العرب والمسلمين، مفادها:” تفكيك إسرائيل من خلال ابتلاعها بالاعتراف”، غير أن هذا الطرح يمكن أن يُقبل من دولة مثل مصر، لأنها تملك جبهة اجتماعية قوية، فسلام النظام المصري مع إسرائيل، لا يعني أبدا سلاماً من الشعب المصري.

 ومن هنا راجت في إسرائيل عبارة” السلام البارد” أو” الميّت“، لذلك هي اليوم تُدْفَعُ نحو سلام يَعْبُر من خلال الثقافة والتنمية، وصولاً إلى تدنيس المقدس، وبالتالي انهاء العداوة على المستوى الديني، ولهذا لا تغني إسرائيل اتفاقات السلام مع العرب جميعهم، ما لم يتم ذلك مع السعودية، لأن هذا سينهي رمزية القدس، كوننا سننشغل بالمخاطر التي ستواجه مكة والمدينة، ولتحقيق ذلك تدفع القوى الكبرى، ومن ورائها إسرائيل إلى تفكيك الدُّول العربية الواحدة تلو الأخرى.

ثالثاً ـ يُروج بعض المنظِّرين الجُدد في المنطقة للسلام مع إسرائيل ـ خوفا أو ترقبا وانتظارا ـ إلى نفس المنطق الذي تبديه إسرائيل لجهة خوفها من النمو السكاني للفلسطينيين، حيث يرون أنه سيتم تفكيكها من خلال توسيع دائرة نشاطها في المنطقة، والدخول في شراكة معها داخل فلسطين المحتلة من جهة، وربط مصالحها بل ووجودها بالعرب والمسلمين من جهة ثانية، وهكذا يزيد دورها، لكن تقل خطورتها، وهو كما نلاحظ اعتقاد وهمي يقوم على فكرة التفاوض، التي ستجعل إسرائيل تذبح البقرة، التي تعني نهايتها.

نفوق البقرة.. والعجل

أما بالنسبة لمسألة” العجل”، فهي في الوقت الراهن مختلفة عن بداية ظهورها في المضي البعيد، إذْ لا يعني إسرائيل إن كان العجل له” خوار”، أو مصنوع من الذهب أو من الحجر أو الطين، إنما الذي يعنيها بالأساس هو وجوده كقيمة في الخطاب وفي الفعل، أي أن تقوم عليه سياسة الدولة في السلم والحرب، وهو بلا شك فهم خاطئ نظريّا حين يتعلق الأمر بتعامل اليهود معنا، لكنه صحيح عمليّا كما هو ينفذ الآن، وهو الجزء الأهم في الأساطير المؤسسة للدولة العبريَّة.

هنا علينا ألا ننسى أن العجل قد يتشكل في أوجه كثيرة، فالمؤسسات الأمنية الإسرائيلية بكل فروعها وأنوعها تمثله، وكذلك الحال بالنسبة للدعاية، والسياسة والاقتصاد، وفي كل تفاوض يبدو العجل في تجسيده حاضراً، حيث لم تستطع الذاكرة الجماعية لدى بني إسرائيل نسيانه ولو رمزاً، ناهيك على السباق بيننا وبينهم اليوم على أيٍّ تكون نبوءاته وتوقعاته الأقرب والأصدق، وكلانا ينطلق من نصوصه الدينية.

وفي الواقع العملي، ورغم الدور الإسرائيلي للتمكن ـ حقيقة أو تهويلا ـ فإن اليهود البالغ عددهم في العالم كله ( 14 مليون و511 ألف نسمة حسب احصائيات 2021 ) مقارنة بالمسلمين البالغ عددهم( ما يقارب مليارين حسب احصائيات 2021)  وأن اليهود  جيء بهم نفيرا من كل بقاع العالم إلى فلسطين، ووَلَّينا نحن الأدبار في كل دولنا، وشغلتنا أموالنا وأهلينا وهمومنا اليومية، إلاّ أن دولتهم إلى زوال، ولكن كيف يتم ذلك وهي الأقوى، ناهيك على أن محمية من معظم دول العالم؟

نظرية البقرة والعجل، التي هي اليوم سبب هزائمنا على المستوى الفكري، وهي هزيمة عقول وقلوب، هي نفسها ستكون عند تطبيقها ضمن رؤية جديدة، المدخل لانتصارنا، وذلك حين نرى في التفاوض وسيلة وليس غاية، ونخضعه لحوار شامل بيننا أوّلاً، من خلال تمييز واضح بين الديني والدنيوي، عندها سينتهي أسلوب البقرة في التفاوض وستنفق، ومعها أيضا سيزول تجسيد العجل. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى