بقلم : زين العابدين بوعشة، إعلامي وكاتب
رحل أمس الصادق هجرس آخر رموز الشيوعية في الجزائر ، ولم يجد من يحزن عليه أو يرثيه، رحل قبله اليساريون أو المناضلون الشيوعيون في حزب الطليعة الاشتراكية PAGS الذين بلغوا أوجهم في السبعينيات من القرن الماضي.
عند اندلاع الثورة الجزائرية، انفصل الحزب الشيوعي الجزائري PCA عن الحزب الشيوعي الفرنسي والتحق بالنشاط المسلح رغم اختلافه الأيديولوجي مع جبهة التحرير الوطني. وبعد الاستقلال، منع الرئيس أحمد بن بلة الشيوعيين الجزائريين من ممارسة أي نشاط سياسي، فدخل رفاق صادق هجرس في السرية.
و رغم الحظر المفروض على تشكليتهم السياسية في عهد الأحادية الحزبية، تميز اليساريون بنشاطات مكثفة في النقابات العمالية، والأوساط الطلابية حيث كانوا على رأس اللجان التطوعية في الجامعات، واستطاع الرئيس هواري بومدين استغلالهم في الدعاية للثورة الزراعية التي فشلت، كما فشلت الاشتراكية التي كانت “خيارا لا رجعة فيه” في أدبيات جبهة التحرير الوطني.
وقد ترك التيار اليساري بصمته في الحركة الثقافية بالجزائر سواء في المسرح الذي كان بالكامل يساريا، أو في السينما والأدب والأغنية… وكإعلامي يجب أن أعترف أن الأقلام المميزة في الصحافة المكتوبة كانت للزملاء “الرفاق” اليساريين الذين كانوا يطلقون على أنفسهم “صحفيين تقدميين” أو “إصلاحيين” أيام حركة الصحافيين الجزائريين MJA، والتي كان يحركها رئيس الحكومة السابق مولود حمروش لحساباته السياسية.
بعد انهيار المعسكر الإشتراكي في اوروبا الشرقية، ودخول الجزائر عهد التعددية السياسية، خرج حزب PAGS من السرية للعلن مع الهاشمي شريف، ولم يستطع مناضلوه فرض نفسهم مع صعود الإسلاميين “الأصوليين” أو “الرجعيين” كما كانوا يسمونهم من قبل.
خاض اليساريون صراعات مريرة من أجل الوصول إلى السلطة ولم يفلحوا في ذلك، بينما تمكنوا من الوصول إلى مناصب حساسة في دواليب السلطة. ووصف الشيوعيون بالكفر والإلحاد، وجراء ذلك دفعوا ثمنا غاليا خلال العشرية السوداء. بعد ذلك غابت كل الطقوس الشيوعية في الجزائر، وتراجع التيار اليساري في كل المجالات الثقافية والإعلامية، ثم انقرض سياسيا حتى ذكرنا رحيل صادق هجرس،أحد مؤسسي حزب الطليعة الاشتراكية، بالوجود الشيوعي سابقا بالجزائر.
قبل خمس سنوات، تسآلت في صفحتي على الفيسبوك : “أين هم الشيوعيون في الجزائر ؟”.
رد علي الزميل بالتلفزيون الجزائري عبد الرحيم مخالدي : “كنا نعتقد أن البورجوازية تحمل في طياتها بذور فنائها ..و اتضح بعد عقود أن الأمر يخص الشيوعية وليس البورجوازية.”
وأشاطر زميلي هذا الرأي، فإن الشيوعيين الجزائريين هم ضحية مرحلة، وضحية الأيديولوجية الماركسية التي توقعت زوال الدولة.